
الإنتخابات الفاشلة
بقلم الاستاذ خليل
أمريكا كانت تريد فرض الديموقراطية الغربية على الشعب الأفغاني بقوة الحديد والنار، فجاءت مدجّجة بأسلحتها الفتاكة وطائراتها العملاقة، مستخدمة تقنيتها الحربية المتطورة، ومجرّبة قنابلها العنقودية، وغزت أفغانستان المستضعفة وسفكت دماء مئات الآلاف من الأبرياء، وهجرت الملايين، وأحرقت القرى والمدن، وهدمت الأسواق والمنازل، وقصفت المساجد والمدارس والمستشفيات، وعاثت في الأرض فسادا.
ومضت قرابة عقدين من الزمان وأمريكا لا تزال فاشلة في فرض الديموقراطية المزيفة على الأفغان رغم إنفاق المليارات من الدولارات، ورغم توظيف آلتها الإعلامية.
لأن الديمقراطية المفروضة عن طريق الغارات الجوية والمداهمات الليلية الوحشية والديموقراطية المستوردة لتجميل صورة احتلال دموي يمارس القتل والتصفيات ديموقراطية فاسدة، مزيفة.
هكذا هي الديمقراطية في البلاد المحتلة، هل شاهدتم حاكما مستقلا وصل إلى السلطة عن طريق الانتخاب ورحل عن طريق الانتخاب خلال العقدين الماضيين؟ لماذا كل هذا الاستهتار بمشاعر الناس؟
مهزلة الإنتخابات
ومنذ عام واحد سخّر المحتلون وعملاؤهم إمكانياتهم الإعلامية لمسرحية الإنتخابات، وخصّصوا لها ملايين الدولارات، وقدموا الرشاوي، ونجحوا في شراء ذمم بعض المغفلين واستفرغوا جهودهم فأطلقوا التهديدات والضغوطات، وكثفوا الغارات والمداهمات ظنا منهم أنهم سينجحون في غرضهم وسيحققون هدفهم وأن مؤامراتهم ستنطلي على الشعب الأفغاني، ولكن انقلب السحر على الساحر وذهبت جهودهم أدراج الرياح، حيث تصدى لها المجاهدون كما كل المشاريع الاحتلالية، وقاطع الشعب الأفغاني المجاهد عملية الإنتخابات بأغلبية ساحقة.
وهذه المقاطعة كانت استجابة لنداء وجّهتها الإمارة الإسلامية لشعبها الأبي وطالبوا الأفغان الشرفاء بأن يقاطعوا إنتخابات الاحتلال.
مؤكدة “أن هذه الانتخابات تؤدي لإضفاء الشرعية على الاحتلال، وأنّ حملات هذه الانتخابات كما كل انتخابات الاحتلال، تأبى أن تكون إلا على دمنا، والتنافس بين العملاء هو على من الأكثر قدرة على استباحة دماءنا؟
وتزامنا معها نظّم أبناء البلد حملة إعلامية تحت هاشتاق #نريد_السلام_لا_الانتخابات في وسائل التواصل الاجتماعي دعوا فيها عموم الشعب الأفغاني إلى مقاطعة انتخابات الاحتلال، وإلى تحَدّي السياسات الأمريكية العدائية تجاه الشعب الأفغاني.
قائلين أن الإنتخابات عقبة كأداء أمام السلام، فلا تكونوا مساهمين في استمرارية الاحتلال والحرب، فإنه لا قيمة لآرائكم لأن أمريكا هي من تنفق على الانتخابات فلذلك هم سينصبون الحاكم لأفغانستان، فلا تتعبوا أنفسكم.
و قد كان لهذه الحملة الإعلامية المباركة التي أطلقها ناشطون أفغان أثرا كبيرا في تغيير الرأي العام فلبّى الشعب هذه النداءات وقاطعت عملية الاقتراع بأغلبية ساحقة.
وقد كانت لهذه المقاطعة عدة أسباب نختصرها فيما يلي:
إن الشعب يثق ان البلاد محتلة، ولم يريدوا المشاركة في عملية يديرها الاحتلال وفق مصالحه.
المحتلون وعملاؤهم قاموا بارتكاب مجازر كبيرة في مختلف الولايات قبيل الانتخابات مما أثار حفيظة الشعب الأفغاني فقاطعوا الانتخابات، لأنهم يعلمون أن المشاركة في هذه الانتخابات مشاركة في قتل إخوانهم وقصفهم واضطهادهم.
اتضح للأفغان بأنه لا قيمة للانتخابات في ظل الاحتلال، وغرض المحتلين منها القاء الستار على جرائمهم ومجازرهم واستمرار احتلالهم الوحشي.
ولم تقتصر المقاطعة على سكان الأرياف والقرى بل قاطع كثير من سكان المدن أيضاً هذا المشروع، وأثبتت مقاطعة الشعب الشاملة أنها مشروع احتلالي بحت لا تمثل إرادة الشعب الأفغاني المسلم.
وقد أصدرت الإمارة الإسلامية رسالة شكر وتقدير إلى شعبها المجاهد بمقاطعته للمشروع الأمريكي الإحتلالي، وأثبت للمحتلين وعملائهم بأنهم يؤيدون المجاهدين ولا ثقة لهم بمشاريع المحتلين المزروة، وأنهم لم يركنوا إلى الاحتلال ولم تؤثر عليهم الحملات الاعلامية ووجهوا صفعة قوية إلى وجوه المحتلين.
إن الأفغان لم يشاركوا في الإنتخابات لأنهم علموا أنه لا قيمة لآرائهم بل الرئيس يُنتخب من قبل الغرب فقد كانت هناك تدخلات مباشرة وسافرة للسفارات الغربية الإحتلالية أثناء عملية الانتخابات في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة كابول.
إن الانتخابات في أفغانستان لا حظ لها من الشرعية والمشروعية، لأن أمر هذه المهزلة كله بيد الاحتلال بدءا من التمويل مرورا بالفرز ووصولا إلى إعلان الفائز، فالقول قول المحتلين والنتيجة معلومة مسبقا أنه سيتولى منصب الحكم من سيكون وفيا إلى الاحتلال الغاشم ومن يرجح مصالح الأمريكيين على مصالح الوطن العزيز، وهذا ما جربناه مرارا من ذي قبل.
ما فائدة المشاركة في الإنتخابات في بلد تصدر إليه الأوامر من الخارجية الأمريكية؟ ما جدوى الاقتراع في بلد يرزح تحت نير الاحتلال وسطوته؟
إن الأفغان واثقون بأنه لا قيمة لآراء الشعب في بلد غاب فيه الأمن ويقبع أحراره خلف الزنازين والمعتقلات، وتُداهَم فيه منازل المدنيين وتُدَمّر وتُفَجّر ويُقصف أهله ليلا ونهارا بلا ذنب.
اغلاق المراكز
سارع الشعب الأفغاني إلى امتثال أمر الإمارة الإسلامية وكانت كثير من المناطق تمثل مدينة أشباح لم يخرج فيها الناس من منازلهم مما أدى إلى بقاء معظم الأفغان بعيداً عن صناديق الاقتراع، كما جرى إغلاق مئات مواقع الاقتراع لدواعٍ أمنية.
و أجريت عملية الانتخابات في مناطق قليلة فقط لأن أكثر من 50 % تخضع لسيطرة المجاهدين والكثير من المناطق أغلقوا عليها الخناق ولم يمكن إجراء عملية الاقتراع فيها.
على سبيل المثال ولاية “بلخ” الواقعة في شمال البلاد مكتظة بالسكان، وتقول وكالة باجواك الأفغانية بأن جميع مراكز الاقتراع فيها 315 مركزا، 158 منها مفتوحة بينما 157 منها مغلقة، فإذا كانت هذه حال ولاية بلخ” التي تخضع كثير من مناطقها لسيطرة الحكومة فما ظنكم بولاية “هلمند” وبدخشان” وفارياب” وزابل” وأروزجان، والولايات التي تخضع معظم مناطقها لسيطرة المجاهدين؟
وإليكم شهادات بعض الصحفيين والناشطين حول إغلاق المراكز وفراغها من الناخبين.
■ هارون نجفي زاده: صحفي شهير عمل مع إذاعة بي بي سي سابقا، كتب في تغريدة: إن عملية الاقتراع كانت باردة فاشلة، وعدد الناخبين كان ناقصا بمراتب، وإن الكثير من مراكز الاقتراع فارغة بمدينة كابل.
■ محمد ذاكر تيموري: يقول محمد ذاكر تيموري أحد سكان ولاية بروان” أنه نشبت اشتباكات في أربعة مديريات من هذه الولاية منذ الصباح وعملية الاقتراع واقفة تماما في هذه المناطق كلها.
مشاكل فنية ولوجستية
وإضافة إلى التهديدات الأمنية عانت عملية الإنتخابات من المشاكل اللوجستية الكبيرة حيث لم تصل مستلزمات العملية الانتخابية إلى كثير من مراكز الاقتراع حتى إلى وقت متأخر من صبيحة يوم التصويت في العاصمة كابول، ناهيك عن التحديات الفنية من تعطل أجهزة التدقيق البيومترية وعدم معرفة الموظفين في لجان الانتخابات لكيفية استخدامها، وضياع كثير من هذه الأجهزة أو بطاقاتها بعد عملية الانتخابات.
■ بلال سروري: يقول الصحفي بلال سروري نقلا عن سكان ولاية نانجرهار” أن مراكز الاقتراع بمدينة جلال آباد عانت من المشاكل الفنية واللوجستية.
■ حشمت غني أحمدزاى: يقول شقيق أشرف غني حشمت غني أحمدزاي: إنه حرم من إدلاء الصوت لأجل الفوضى الانتخاباتية، ويضيف أنه وصل مبكرا إلى مركز التصويت في كابل، ولكنه لم يتمكن أن يجد اسمه في قائمة الناخبين رغم البحث فرجع خائبا من المركز، وكتب في تغريدة أنه واجه عدد من الأفراد نفس المصير، واتهم حشمت غني قادة مفوضية الانتخابات بنهب ملايين الدولارات.
انتخابات مليئة بالغش والتزوير
واضافة إلى فقد الإنتخابات شرعيتها بسبب هيمنة الاحتلال على مفاصل الدولة وإدارتها من قبل حكومة اعتبرتها المنظمات الدولية في مقدمة دول العالم تورطاً في قضايا الفساد الاداري والمالي كانت الإنتخابات مليئة بالفضائح والمشاكل والاضطرابات والتحديات.
على أن مفوضية الانتخابات فقدت مصداقيتها وإستقلاليتها لأنها منظومة مخترقة، والحزب الحاكم قدم لأعضائها منافع ومغريات، ونجح في شراء ذممهم، مما أثارت تساؤلات بشأن نزاهة الانتخابات وشفافيتها.
فقد أعلن مجلس يضم أكثر من عشرة مرشحين قبيل الانتخابات: أن لجنة الانتخابات غير قادرة على إجراء انتخابات نزيهة.
إن هذه الانتخابات كانت أكثر فوضوية وفسادا، وفضيحة مما سبق، ونذكر هنا شهادات عدد من المسؤولين الحكوميين التي كشفت الستار عن فشل وفضائح العملية الانتخابية.
■ جميل كرزاي: قال جميل كرزاي: إن «النظام معطل، بل فاسد. لا توجد نية لإجراء انتخابات نزيهة»
■ قلب الدين حكمتيار: قلب الدين حكمتيار أحد المرشحين، قال في تصريحاته لوسائل الاعلام بعد إدلاء التصويت أن الفريقين الخاصين خططتا لأجل تزوير منسق مدروس، وإنها كانت فاضحة ومليئة من الفساد والتزوير.
■ قال نائب البرلمان السابق همايون، همايون” في وقت متأخر من ليلة الأحد: أنه قد بدأ عملية ملأ الصناديق في مديرية باك” وعلي شير، وموسى خيل” وصبري، وسبيري من الليل، وقال همايون: أن المسؤولين الحكوميين لم ينتظروا كثيرا في ولايتي باكتيا وبكتيكا وبدأوا يملؤون صناديق الانتخابات في منتصف الليل، وقد تم نشر مقاطع مرئية من ولاية هلمند أيضا حيث كان موظفوا الانتخابات يملؤون الصناديق قبل عملية الاقتراع بيوم لصالح أحد المرشحين.
وتشير التقارير أن فريق أشرف غاني بدأ يملأ صناديق الانتخابات في منتصف الليل في مختلف الولايات قبل أن تبدأ عملية الاقتراع بشكل رسمي، لأن أعضاء المفوضية كانوا على علم بأن الشعب الأفغاني سيقاطع الانتخابات ولذلك ملأوا الصناديق ليلا لكي لا تكون فارغة.
وقاطعها بعض الأفغان لأجل الفساد والتزوير.
■ قالت فرخندا أحمدي (25 عاماً)، طالبة جامعية بالعاصمة الأفغانية كابل لصحيفة الشرق الأوسط: «لن أغامر بحياتي من أجل انتخابات مزورة. لا يوجد مرشحون جيدون، علينا أن نختار بين السيئ والأسوأ».
فلم تكن الانتخابات حرة ونزيهة كما تزعم وسائل الإعلام الغربية والمحلية التي مولتها الحكومة لتوفر الدعاية للعملية الانتخابية فنشرت صورا قديمة حول الانتخابات ودندنت حول نجاح العملية.
ولكن نظرا إلى الحقائق المذكورة أعلاه يمكن لنا القول أن الإنتخابات كانت فاشلة تماما وستخلق حكومة غير شرعية بسبب التزوير والمخالفات.
الانتخابات كانت فاشلة لأنه لم يشارك فيها إلا قدر ضئيل من الناس فحسب إحصائيات المفوضية شارك مليوني شخص فقط في الانتخابات فهل يحق لمليوني شخص أن يقرروا مصير شعب يصل عددهم إلى 35 مليون نسمة؟.
الانتخابات كانت فاشلة لأنها كانت مشوبة بالفساد والشجار والغش، وعانت من المشاكل الفنية والخداعات والاضطرابات اللوجستية.