مقالات الأعداد السابقة

الإنفاق في سبيل الله ودوره في دعم الجهاد والفقراء

snblanfaq

إن الإنفاق في سبيل الله ظاهرة طيبة، بل عبادة مباركة تحضّ وترغب في نصرة الضعفاء والمعوّزين، ومدّ يد العون إلى الطبقات الضعيفة، وسدّ حوائج البيوتات الفقيرة. ومن جانب آخر، يعد الإنفاق في سبيل الله وسيلة لنصرة الحق ودعم الجهاد، وتجهيز جيوش المسلمين لإعلاء كلمة الدين المبين.

وهو علامة على التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم الذي شبّهه النبي بالجسد الواحد فقال: (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). وشبّهه بالبنيان فقال في حديث أبي موسى رضي الله عنه: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

وأخرج الطبراني مثله من حديث يزيد بن عبدالله بن غريب عن أبيه عن جده مرفوعا: (وَماتُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي في الجهاد (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي يوفر لكم جزاؤه (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي لا ينقص أجوركم. وعن زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزَا، ومن خَلَّف غازياً في أهله بخير فقد غزا) متفق عليه.

وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) رواه مسلم.

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود والنسائي والدارمي. وعن خزيم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق في سبيل الله كُتب له بسبعمائة ضعف) رواه الترمذي والنسائي.

وعن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجرالغازي) رواه ابوداود. وعن علي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبدالله بن عمرو وجابر بن عبدالله وعمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين، كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم) ثم تلا هذه الآية: (وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) رواه ابن ماجة.

فالإنفاق في سبيل الله شرع سدّاً لحاجات الفقراء والمساكين، وتفريجاً لكُرَب المحتاجين، وتثبيتاً للقلوب، وتحريراً من ذل الرق وإعزاراً لدين الله، والدفاع عن حرمات الإسلام.

وقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإنفاق في سبيل الله ورغّبهم في السخاء، فكانوا ينفقون عن طبعٍ أصيل، وسجيّة محبّة للخير، قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92].

وكان بذل الصحابة مضرباً للأمثال، فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه، وقد تصدّق أبو طلحة رضي الله عنه بعين بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد. ولمّا نزلت هذه الآية : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245)، قال أبو الدحداح: يا رسول الله قد أقرضت ربي حائطي وفيه ستة مائة نخلة، فجاء يمشي حتى أتى الحائط وأمّ الدحداح فيه وعيالها، فنادى يا أمّ الدحداح، فقالت: لبيك. قال: أخرجي، فقد أقرضت ربي.

وكما فعل أبو بكر رضي الله عنه حين جاء بماله كله فوضعه بين يدي الرسول في غزوة تبوك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله. وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله، وجاء عثمان رضي الله عنه بشيء كثير جداً ووضعه بين يدي الرسول صلي الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (اللهم ارض عن عثمان فإني راضٍ عنه) وهكذا جهّز جيش العسرة.

 

من ثمار الإنفاق:

1 – الإنفاق يدعم قوة المجتمع الإسلامي الاقتصادية، ويوفّر الأمن الاجتماعي {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}. [الأنفال: 60]

أجل، فلو أنفق الأغنياء من أموالهم في سبيل الله لأغلقوا أبواب الفقر والسرقة والنهب، وهكذا يدافعون عن أموالهم.

 

2 – حلّا للأزمات الاقتصادية:

نظراً إلى دور الإنفاق القوي في كفاح  الفقر وحلّ الأزمات الاقتصادية في المجتمع، يدعو الله تعالى مخاطباً الأغنياء: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. [النور:22]

 

3 – تزكية للنفس والابتعاد عن الشح:

إن الإنفاق لوجه الله تعالى يزكّي المسلم عن الرذائل الخلقية كالشح وغيره، ويقول الله تعالى في ذلك: { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 17.18].

ويقول الله تعالى مخاطباً نبيه: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103].

 

4 – غفران الذنوب:

إن الإنسان ليخطئ ويذنب في حياته ما خلا الأنبياء، والإنفاق في سبيل الله من الأسباب القوية في محو الذنوب والسيئات، قال الله تعالى: {وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ}. [المائدة: 12].

وقال أيضاً: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ * وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا * وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }. [البقرة: 268].

وقال أيضاً: {إن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}. [التغابن: 17].

 

5 – الأموال المنفقة لا تضيع سدى:

إن الإنسان لينفق ماله في سبيل الله تعالى ويرجو أن يخلفه الله خيراً منه، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ، وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. [سبأ: 39].

 

6 – عدم الخوف والحزن في الآخرة:

إن اطمئنان النفس وسكونها من أقصى آمال الإنسان في حياته، فهو يسعى دائماً لتوفير الطمأنينة لنفسه ولأهله، والإنفاق في سبيل الله يوفر ذلك الاطمئنان والابتعاد عن الخوف: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. [البقرة:274].

وقال أيضاً: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. [البقرة:262].

كما أن الإنفاق في سبيل الله، سبيل معبّد إلى الفلاح في الدارين، يقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. التغابن: 16.

 

آداب الإنفاق في سبيل الله:

1 – الإخلاص:

أجل؛إن الإنسان المؤمن يعلم يقيناً أن الإخلاص هو ملاك الأمور كلها لذلك، يستلزم أن ينفق في سبيل الله تعالى مخلصاً له وحده: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. البقرة:265.

وقال أيضاً: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} الإنسان:8-9.

 

2 – الإنفاق من كريم المال:

الأدب الأساسي الثاني الذي يسترعي الانتباه عند إنفاق المال، أن ينفق المرء خيار أمواله وكريمها، يقول الله تعالى: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. آل عمران:92.

لذا حريٌ بنا أن نجتنب كل الاجتناب إنفاق رذائل الأموال ورديئها. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. البقرة:267.

 

3 – اجتناب المنّ والأذى:

وأما ثالث الآداب في إنفاق المال: أن يجتنب المرء إيذاء المساكين والفقراء والامتنان عليهم بما أنفق: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا، لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. البقرة:263-264.

 

4 – الاعتدال في الإنفاق وعدم الإسراف:

يجب على المنفق أن يبتعد كل الابتعاد عن الإسراف في الإنفاق، وأن لا يجعل يده مغلولة إلى عنقه ولا يبسطها كل البسط، فيقول الله تعالى:{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}. الإسراء:29.

وقال أيضاً: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}. البقرة:219.

وقال أيضاً: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. الفرقان:67.

 

5 – الأولى فالأولى:

على المرء أن ينفق حسب الأولى في الإنفاق ويقدم المسكين على الفقير. قال الله سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. البقرة:273.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى