مقالات الأعداد السابقة

الإيمان وقود الانتصارات

غلام الله الهلمندي

 

كيف استطاعت حركة طالبان العزلاء أن تصمد أمام أميركا وحلف الناتو، ربما تقف وراء هذا الانتصار الباهر قوة أخرى؟ سؤال ربما يطوف بالرؤوس المغفلة المنخدعة.

 

وأنا لا أريد أن أحلّل القضية من ناحية القوة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية. فقط أريد أن أقول للمسلمين: مالكم أنتم أيها المسلمون! تقيسون كل شيء بمقياس المادة، وتضعون كل شيء في بؤرة العقل، وتغفلون مقاييس أخرى، مقاييس معنوية لا تمت إلى المادة بصلة، وهذا المقياس هو (أن النصر من عند الله)، يقول الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (وما النصر إلا من عند الله). نحن معشر المسلمين نعتقد أن النصر إنما يأتي من عند الله، إن لم تقيسوا الحروب والانتصارات بهذا المقياس الذي أنزله ربّكم، ربّ السماوات والأرض، فبأي مقياس تقيسونها هداكم الله؟ عن سعد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: “إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” (صحيح الجامع 2388).

إنما المطلوب من المسلمين هو الجهاد في سبيل الله وكفى، المطلوب منا أن نقاتل الأعداء، يجب أن نؤمن أن النصر يأتي من عند الله، وأما القوة التي أمرنا الله بإعدادها إنما هي لإرهاب الأعداء ليس لاستجلاب النصر: “ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

إن أدوات القتال في أيدٍ مجردة عن الإيمان والروح بلا شك لا تضمن النصر أبد الدهر، والتاريخ والواقع يشهدان بذلك. يجب علينا نحن أن ننفذ أوامر الله، والله هو المنجز وعده بلا شك، والنصر إنما يأتي في موعده الذي يقدره الله، وفق حكمته وعلمه، النصر إنما يأتي بقدرما ننصر دين الله، بقدرما نذكر الله، بقدرما نتوكل على الله، بقدرما نثبت في ميدان المعركة.

يوم هجمت الولايات المتحدة على بلادنا كنا كالغنم في الليلة المطيرة الدامسة السوداء، ولكن لم يخوفنا المطر، لم تخوفنا حلكة الليل، ولم يروّعنا الرعد، ولم يروّعنا البرق، بل استفدنا منه وغلبنا به الظلام، ولم نيأس من روح الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، والفضل في كل ذلك يعود إلى الإيمان.

نحن مسلمون قبل كل شيء، نحن مسلمون قبل أن نكون أفغانًا، نحن مسلمون قبل أن ننتسب للوطن الأفغاني، نحن أبناء الإسلام، لا نفتخر بأفغانيتنا، بل نفتخر بالإسلام، نفتخر بالقرآن، نفتخر بنبيّنا العربي الأمي محمّد (صلوات الله عليه وسلامه)، نحن نفدي بأرواحنا نبينا وديننا، قد نبع هذا النصر المؤزر وهذا الصمود المثالي من إسلامنا، لم نقاتل من أجل الوطنية يومًا، فإن الوطنية لا قيمة لها بجنب مقدساتنا وقناعاتنا ومبادئنا، لم نقاتل من أجل القومية، فإن القومية لا عبرة لها، إنها شيء تافه جدا، إنما هي صنم صنعته الحضارة الغربية، ونحن لا نعبده، لا تليق القومية بأن نبذل أرواحنا وأنفسنا في سبيلها، لا تليق القومية بأن نحتمل من أجلها المكاره ونتجرع المرائر، ونترك الأهل والراحة، لو كنا نقاتل من أجل القومية أو الوطنية أو شيء تافه آخر من متاع الحياة الدنيا لانهزمنا وتعبنا وغُلِبنا ومتنا منذ أمد بعيد، إنما نقاتل من أجل الإسلام، الديانة الخالدة السرمدية، نقاتل على مبدأ أن الإسلام يجب أن يبقى، الإسلام هو قضيتنا الكبرى، الإسلام هو قضيتنا المقدسة، والذي يحارب في سبيل قضية مقدسة عنده فلن ينهزم ولن يتعب، مستحيل أن ينهزم، ولن يُتعبه الكدّ والسهر أبدا.

نحن معشر المسلمين نستمد قوّتنا من الإسلام، ليس من العنصرية والجنسية، نستمد العون من الله تعالى مباشرة، نحن نقاتل بقوة الدين، وننتصر ببركة الإسلام، نحن جنود الله في أرض الله، أتينا لنغرز رماح الإسلام فوق جماجم الأعداء، أتينا لنحقق مراد الله، أتينا لننفّذ شرع الله، أتينا لنلقّن أعداء الله درسا لا ينسونه مدى الحياة.

نحن سوط الله في الأرض، أتينا لندمي جلود الكفار، ونمزق ظهور المنافقين. نحن عمالقة العالَم أمام الجور والاستبداد، نقف -كلما مسّت الحاجة- في وجه المستكبرين والطغاة والجبابرة، ونحرر المظلومين، ونفك الأسرى، ونكفكف دموع الأرامل واليتامى. نحن خيوط من النور الإلهي، أتينا كي نضيء العالَم، أتينا لنطرد فلول الظلام، نُخرج الناس من الظلمات إلى النور، نخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، نخرجهم من جور الأديان، إلى عدل الإسلام، نحن الأعاصير التي تكسر أجنحة الأكاسرة، وتقطع أنياب الأفاعي، نحن دعاة الإسلام، ندعو الناس إلى الصراط المستقيم، ندلّهم على طريق الهدى، ونمنعهم -ما استطعنا- عن اتباع طرق الشيطان التي يدعو إليها ضلّال البشر.

والفضل يرجع في كل ما اكتسبناه من النصر والظفر، من الاستقلال والحرية، من المجد والشرف، يرجع الفضل في كل ذلك إلى الإسلام، ليس إلى الوطنية الملعونة، أو إلى القومية العفنة فهما مجردتان كلَّ التجريد من الضمير والروح والحياة، وهما من أمور الجاهلية، إننا لم نقاتل يوما باسم الوطنية أو باسم القومية، ولم نرفع راية مذهب باطل شرّعته الحضارة الغربية ولم ندعُ بدعوة الجاهلية، إنما دعونا بدعوة الإسلام، وقاتلنا باسم الإسلام، ورفعنا راية القرآن ودعونا إلى عقيدة التوحيد، وضربنا أعدائنا في كل معركة بسيف نبيّنا الأمي محمد (صلى الله عليه وسلم)، السيف الذي لم يُثلَم على مرّ التاريخ ولن يُثلَم أبدا، كلما قاتلنا بهذا السيف أفلحنا، وكلما قاتلنا بسيف الوطنية أو القومية خسرنا المعركة، ولم نكن يوما ضيقي الأفق وقصار النظر في عصبية وطنية وقومية، ولكن مع ذلك لا ننكر حب الوطن أبدا.

إن حب الوطن فطرة جُبل عليها البشر، كل واحد منا يحبّ وطنه بطبيعة الحال، ما في ذلك شك، أجل، نحب الوطن ولكن لأجل الإسلام، فإن الوطن يتصل بالإسلام، فإن الوطن الأفغاني إسلامي وحب الإسلام يتغلغل في أحشائه ويتسرب في عروقه، ويجري في كل قطرة من دمه وفي كل شعبة من أعصابه. المسلم الذي تربى على مائدة القرآن وجرى حب الإسلام في شرايينه لا يقاتل لأجل الوطنية أو لأجل القومية، لأجل شيء لا يفهمه بل يحسبه جاهليةً قحة، لأجل شيء تافه لا قيمة له بالقياس لدم المسلم.

دم المسلم أغلى من هذه الأهداف الرذيلة والغايات الدنيئة. المسلم لا يلوث دمه ولا يلطخ جهاده بهذه الأوحال، بهذه الضلالات التي ما أنزل الله بها من سلطان. الذين يقاتلون في سبيل الجنسية والوطنية إنما هم ضحايا ضُحِّي بهم على أنصاب الجنسية والوطنية، نحن لن نعبد أوثان الجنسية والوطنية، الأوثان التي يحق أن تتحطم وتتهشم إربًا إربًا.

لا تبلى بسالة أبطالنا، ولا تهن عزائمهم، ولن تضعف إراداتهم وهممهم، ولا يزلزل عزائمهم شيء، لا الهزيمة ولا استشهاد رفاق الدرب ولا الأسر ولا الجراحات، فإنهم يستمدّون كل ذلك من إيمانهم، يستمدون قوتهم وأملهم من إيمانهم بالله، وإيمانهم بنصر الله، فالإيمان يجدّد بسالتهم وعزائمهم، ويقوي إراداتهم ويستنهض هممهم، ويستثير طموحاتهم، ويشد أزرهم، ويثبت أقدامهم، ويحثهم على مواصلة الدرب ومقارعة الأعداء، ويلهمهم رشدهم، الإيمان يبعث في أنفسهم طمأنينة، وفي صدورهم سكينة، فإنهم يؤمنون بوعد الله، “إن ينصركم الله فلا غالب لكم” الإيمان يزيل الكسل والخمول والوهن، ويزيل السبات عن الأعين، إن الخمول والكسل والوهن والاستكانة والخنوع ليست من مسلك الإيمان، فإن أبطالنا -بالإيجاز- خرجوا يقاتلون الأعداء لينجز الله وعده، الوعد الذي يؤمنون بتحقيقه، فكيف ينهزم أناس يحملون هذه العقيدة ويقاتلون بهذه النفسية؟

إن التضحيات والبطولات والأمجاد وذلك السيل المتدفق بالفتوحات التي أنجزها المسلمون على مر التاريخ هي في الواقع جداول تنبثق من ينبوع واحد، من ينبوع الإيمان، من هذا المحيط الكبير الذي لا نهاية له، إنها أمواج تتلاقى في شاطئ واحد، وهو شاطئ الإيمان، إن لكل مفخرة من مفاخر التاريخ الإسلامي نافذة تطل على بحر الإيمان، ولها مساس بسر الإيمان، الإيمان هو وقود الانتصار دوما، الإيمان هو مقدمة الظفر في كل معركة، الإيمان هو المفتاح السحري لبوابة الفتوحات، الإيمان هو المنبع الفياض لقوتنا في كل زمان، يكفي أن نرجع إلى إيماننا، ونستعمله كسلاح فتاك ضد الأعداء، لنسترد مكانتنا الماضية، ويعود لنا تاريخنا المشرق ومجدنا المؤثل، الإيمان هو الذي يحدو الشباب المسلم إلى التضحية بماله وراحته في سبيل المبدأ الذي يرعاه، الإيمان هو الذي يملأ الدم حماسة وشجاعة وقوة، ثم يتركه -أعني الدم- تيارا من الحياة والقوة والروح، الإيمان هو العامل القوي الذي ينفض عنا غبار النوم والخمول والكسل، كلما تهاونا وتقاعسنا وقهرَنا النوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى