مقالات الأعداد السابقة

الاحتفال بالاستقلال في ظل الاحتلال

الكاتب: رضوان الكابلي

احتفلت حكومة كابل بذكری مرور ۹۸ عاماً على استقلال أفغانستان، في الحين الذي يعاني فيه البلد من مخالب المحتلین. قبل ۹۸ سنة أعلن الملك أمان الله خان، استقلال بلدنا عن بریطانیا، وذلك بعد دماء طاهرة أریقت في سبیل الحریة وطرد المحتلین. وقد قال أمان الله خان حین إعلان الاستقلال: “أعلن أنني وبلدي هذا مستقل من هذه الساعة في الشؤون الداخلیة والخارجیة. وأن بلدي سوف یكون مستقلاً كسائر البلاد والسلطات.”

إن لهذا الیوم مكانة كبیرة في تاریخنا وحیاة شعبنا؛ لأن الحریة حصیلة جهود ممتدة بذلها آباؤنا لنيلها.

وبجانب الشعب، تحتفل الحكومة بهذا الیوم الوطني. وفي هذا العام أیضا احتفلت حكومة الوحدة الوطنیة بهذا الیوم في القصر الرئاسي بحضور جمع كبیر من قادتها. وقد ركز أشرف غني في كلمته على السیاسة الخارجیة لدولته، فقال أن سیاسته الخارجیة مستقلة ولا تدخل لأي دولة في هذا المجال. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل نحن مستقلون؟ وهل الحكومة الحالیة مستقلة في اختیاراتها؟

قبل أن نجیب على هذا السؤال لابد من مقدمة حول مفهوم الاستقلال.

ماهو الاستقلال؟

إن مفهوم الاستقلال یتحقق في روابط الدول، فإذا استطاعت الدولة أن تكون حرة في روابطها مع الدول الأخری، وكانت تستطیع أن تدافع عن حقوقها ومصالحها الوطنیة والأمنیة فهي مستقلة.

الحقیقة أن الشعوب المتحررة تسعى إلی تقلیل اتكائها إلی الآخرین، لذلك نستطیع أن نقول أيضاً أن الاستقلال يعني أن تكون الدولة قادرة علی المضي بحریة في التخطیط بالمجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة، وتكون قادرة علی تطبیق ما ترید دون مزاحمة من الدول الاستكباریة. فإذا وُجِدت دولة حرة في إرادتها، وقادرة علی تطبیق المشاریع الاقتصادیة والسیاسیة والثقافیة، دون التأثر من الدول الكبری (مثل: إمریكا، أروبا وروسیا) ودون التأثر من المنظمات العالمیة (مثل: الحلف الأطلسي والبنك الدولي)، فهي دولة حرة مستقلة.

ومن جهة أخری فإن للاستقلال جناحین:

أحدهما: “الاستقلال الخارجي”، بمعنی الحریة التامة في التعامل مع الدول الأخری، وحریة العمل في الساحة الدولیة.

ثانیهما: “الاستقلال الداخلي”، بمعنی حریة العمل في إطار الحدود المرسومة.

والآن بعد مرور ۹۸ عاماً على استقلال أفغانستان ،وبالنظر إلی الواقع الحالي للبلد، لابد أن نتساءل: هل أفغانستان بلد مستقل؟ وهل لها الحریة في اختیاراتها الداخلیة والخارجیة؟

من المعلوم أن الجواب منفي؛ لأن الدولة العمیلة التي تهنئ الشعب بذكری الاستقلال، هي لعبة ودمیة في أیدي الدول الأجنبیة. وبنظرة عابرة على الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة للبلد، نجد أن الدولة العمیلة فقدت الاختیار والحریة في التخطيط حتی في الأمور العادیة.

كل یوم نسمع تهدیدات الدول الخارجیة للحكومة الحالية بأنها إذا لم تقم بهذا العمل أو ذاك، فسوف تقطع مساعداتها عن أفغانستان. فالهند تهدد الحكومة إنها إذا تقاربت مع “باكستان” فسوف تتوقف عن العمل في مجال استخراج المعادن. والصین تهدد الحكومة أنها إذا لم تسلم “معدن النظارة” إلیها فستقطع جمیع مساعداتها عن أفغانستان. والمحتلون یقصفون البلد حیث شاؤوا ومتی شاءوا. حتى رواتب الشرطة والموظفین تأتي من الخارج.

والإعلام الغربي والمنظمات العلمانیة یمارسون جمیع نشاطاتهم خلافاً للدستور، فإن الدستور یصرح بأن البلد إسلامي والحكومة إسلامیة ولا یُسمح لأي نشاط يسيء للدین في هذا البلد. ومع ذلك نشاهد أن برامج الإعلام تقوم بالإساءة للدین، والدولة لا تستطیع إيقافها؛ لأنها إن منعتها فستواجه قطع المساعدات الخارجیة. وهذه الحكومة لا تستطيع أن تتقدم إلی الأمام شبراً إلا بأمر من الدول الأجنبية.

 الساسة الأفغان أكثرهم ملتحقين بإحدی السفارات، یحاولون تطبیق ما یملي لهم أصحاب هذه السفارات. وقلما تجد في هذه الأیام سیاسي يحمل جنسیة واحدة. وقلما یوجد سیاسي لا یتسلم الأموال الباهظة من سادته الغربیين. إن أكثر الساسة الموجودین في الدولة العمیلة يحملون جنسیة أجنبية، وعائلاتهم تعیش في الخارج. وكلما شعروا بالخطر غادروا البلد والتحقوا بعائلاتهم.

إن حكومة الوحدة الوطنیة، بعدما كانت أملا لمستقبل زاهر للبعض، صارت الیوم كابوساً للشعب. والشعب یرید إسقاطها؛ لأن إنجازاتها خلال السنتین الماضيتين هي ازدیاد معدلات الفقر والبطالة، وزعزعة الأمن، وإثارة الخلافات الدفینة، وإحیاء النعرات القومیة.

 لاشك أن أشرف غني عُیّن رئیساً للبلد بدعم أمریكي، وهو الآن يحقق مصالح الاحتلال تحت رعایة المستشارین الأمریكیین. إن عبودیة الرجل للأمریكان دفعت به لیتشبث بذیل وزیر الخارجیة الأمریكية لیقسم السلطة بینه وبین عبدالله.

تقول حبیبه دانش، إحدی أعضاء البرلمان الأفغاني: في رأيي أن الحكومة الأفغانیة لیس لها استقلال ولا حریة؛ لأنها لیست حرة في اختیاراتها.

وبعد هذا، هل یحق للحكومة العمیلة الاحتفال وتهنئة الشعب بذكری الاستقلال؟ وهل نستطیع أن نقول أنها دولة مستقلة!؟

لا یمكن أن يتحقق الاستقلال و الحریة تحت ظلال الاحتلال الغربي.

نرجو الله أن یحقق استقلالاً تاماً وحریة كاملة لبلدنا الحبیب. وما ذلك علی الله بعزیز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى