مقالات الأعداد السابقة

الاحتلال وسياسته القديمة

أبو صلاح

 

لاغرو أننا لا نعيش زمن هتلر ومستشاره الإعلامي جوبلز، صاحب سياسة: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. كان هذا الأمر مقبولاً ومفهوماً في فترة من فترات التاريخ، حيث شحّ مصادر المعلومات. لكن اليوم، لا يمكنك أبداً قبول هذا المنطق، حتى لو حاولت (سي إن إن) أن تكذب وتدلس أو (بي بي سي) أن تفبرك الأخبار، أو غيرهما من الصحف والفضائيات والمواقع التي في قبضة الاحتلال الأمريكي.

وعن هذه الفوضى في الصحافة وما بها من هراء وضلال وتفاهة، واهتمامها بالقشور دون اللب، وبالزبد دون ما ينفع الناس، يقول الشاعر محمد رجب البيومي في قصيدة بعنوان: “فوضى الصحافة”:

 

دعوا الصحافة حيرى في مآسيهـا كفى الصحافة داء بعض أهليها

كانت تسير مكان النجم عاليــــــة حتى حسبناه في شوق يناجيهـــا

ما بالها اليوم تحت الأرض هـامدة أهل سقاها بكأس الموت ساقيها؟!

في أي عصر نعيش الآن واعجبي فإن ذاكرتـي قد نــدَّ واعيهـــــا

 

ولكن لا أدري لماذا الاحتلال وحلفاؤه حتى الآن يلهثون وراء السياسة القديمة، فلا يملّون من الدجل والكذب وتضليل رأي الشعب، مع أنّ الشعوب باتت الآن تعرف الحق من الباطل والغثّ من السمين، بفضل الإعلام النزيه الذي يقوده رجال الإمارة الإسلامية الصادقون الذين عُرفوا بالصدق والأمانة والحصافة، يقولون الحق وإن كان ضدّ مصالحهم، كما لا يدّخرون جهداً لكشف اللثام عن وجه الاحتلال الغاشم.

إن الاحتلال منذ أول يومٍ نبت على ثرى وطننا الحبيب وإلى الآن، لا يترك الدّجل والأخذ بالعنف في احتلال البلاد المسلمة، ولا يقبل كلام الآخرين، لا يترك سياسته القديمة، بل ومع مرور الزمن يستمسك بسياسته القديمة أشدّ من قبل. وعن هذا وذاك يقول علي يوسف صاحب المؤيّد -فارس القلم- في مقاله الشهير (السياسة الضعيفة العنيفة):

ﻴﺴﺘﻐﺭﺏ ﺍﻟﻘﺭﺍﺀ ﺃﻥ ﻨﺠﻤﻊ ﺒﻴﻥ ﻫﺫﻴﻥ ﺍﻟﻭﺼﻔﻴﻥ (العنف والضعف) ﻟﻤﻭﺼـﻭﻑ ﻭﺍﺤﺩ، ﻟﻤﺎ ﻴﻅﻬﺭ ﻤﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻊ ﺍﻟﻘﻭﺓ، ﻭﻫﻲ ﻻ ﺘﻭﺠﺩ ﻤﻊ ﺍﻟﻀﻌﻑ ﻓﻲ ﺸﻲﺀٍ ﻏﻴﺭ ﻤﺘﻌﺩﺩ، ﺃﻤﺎ ﻨﺤﻥ ﻓﻨﻘﻭل: ﺇﻥ ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻗﺩ ﻴﻜﻭﻥ ﻤﻅﻬـﺭﺍً ﻜﺒﻴـﺭﺍً ﻤـﻥ ﻤﻅﺎﻫﺭ ﺍﻟﻀﻌﻑ ﻭﺨﺼﻭﺼﺎً ﻓﻲ ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻷمة ﻭﺤﻜﻤﻬﺎ، ﻜﺼﻔﺔ ﺍﻟﻜﺒﺭﻴﺎﺀ ﻟﻠمتكبر، ﻓﺈﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﻜﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺨﺹ ﺇﻻ ﺤﻴنما ﻴـﺫﻫﺏ ﺸﻲﺀ ﻤﻥ ﻓﻀﺎﺌﻠﻪ، ﻓﻴﺤل ﺍﻟﻜﺒﺭ ﺒﻬﺫﺍ ﺍﻟﻔـﺭﻉ ﻟﻴﻜﻤـل صاحبه علاءً بزعمه، وخذ الشراسة مثلاً في بعض النّاس؛ فإنها توجد حيث يعوز المرء شيء من مزايا حُسن النظر، وضبط النّفس، وسعة الصدر، فتحل الشراسة محله، ولذلك تجد أضيق النّاس صدراً من يسبّ غيره، وأقلهم مقدرة على الإقناع الخطابي من يصيح في وجه محدّثه ليحمله على قبول رأيه.

كذلك العنف والبطش في حكم الأمم يحلّ محلّ حسن السياسة وقدر المسؤولية قدرها في كل عمل، وقلما ترى سياسياً محنّكاً قادراً على تصريف الحوادث بالحُسنى والاستنتاج منها بقدر ما تعطيه مقدّماتها إلا كان عادلاً حليماً بعيداً عن فعال الظالمين).

إذاً سياسة الاحتلال لم تتغيّر، تظلم المواطنين وتسلب حقوقهم في الحرّية، وتستخدم العنف لإجبار المواطنين على قبول سياستها في وطنهم وبلادهم، وعلى الاستماع إلى أبواق الاحتلال، حيث لا مكان للإعلام النّزيه مع وجود الاحتلال، ولا مكان للعدل مادام ظلم الاحتلال، ولا مكان للحرية مادام الظالم يقمع كل صوت حرّ يأبى الاحتلال، فمن هنا اتخذ سياسة التضليل، وسياسة العصا الغليظة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى