
الاستراتیجیة الفاشلة
عبد الصبور
قبل ۱۵ عاماً هجمت القوات الصلیبیة علی أفغانستان بجیش عرمرم متشکل من جمیع البلاد الغربیة ومسلح بأحدث الوسائل والتقنیات الحديثة. کان الهدف واضحاً؛ إبادة مایسمونه بـ “الإرهابیین”.
کان الغربیون وعملاؤهم یتطلعون إلی هزیمة الدولة الشرعیة الحاکمة في أفغانستان، وکان الرئیس الأسبق لأمریکا، “جورج دبلیو بوش” یعد العالم بإبادة المجاهدین الأفغان وإقصائهم من أراضي أفغانستان في أسرع وقت.
فجاؤوا إلی أفغانستان وقلوبهم ملأى بالتکبر والغرور والخیلاء. انتهت الدورة الرئاسية لبوش والشعب الأفغاني صامد صمود الجبال، یدافع عن دینه وعرضه ووطنه.
لا ینسی العالم هجوم الإعلامیین علی بوش في آخر عمره الرئاسي وسؤالهم عن خیبته في إقصاء وإبادة الذین تصدوا للدفاع عن دینهم ووطنهم، وهو لا یملڬ جوابا مقنعا للإعلامیین فضلاً عن العالم.
ذهب بوش وخلفه “باراڬ حسین أوباما ” الذي کان یری أن من واجبه ختم الرسالة التي وضعها بوش علی عاتقه وتقلیص عدد جنود بلاده من أفغانستان حتی عام 2014 المیلادي، ولکن سرعان ما انتهت دورته الرئاسية ولم یحقق نجاحا؛ بل ازداد المجاهدون قوة ونشاطاً وساروا بخطوات جادة نحو النصر، وبسطوا سیطرتهم علی جزء کبیر من البلاد.
حتی استطاعت الإمارة الإسلامیة بسط سیطرتها علی شمال أفغانستان، ووجدت فیها هواة وحماة من بني جلدتهم. وفي أواخر رئاسة أوباما استطاع المجاهدون إطلاق عملیات واسعة في صمیم العدو؛ فتحقق فتح مدینة قندوز، عدا عن سیطرتهم علی کثیر من القری والأریاف والمدیریات الکبیرة.
عند ذلڬ اشتد الخناق علی العملاء، فهرعوا إلى تنفيذ خطة عمل جدیدة لأفغانستان من قبل الأمریکان، فأمر أوباما -بشكل غیر رسمي- بإرسال جنود إلی بعض الولایات، مثل: فراه وهلمند. لكنه في نهاية الأمر ترڬ البيت الأبیض -مثل سلفه- متحسراً على فشله في قیادة حرب أفغانستان.
وفي الحملات الانتخابیة الأخیرة التي أدت إلی فوز ” ترمب ” برئاسة أمريكا، کانت قضیة حرب أفغانستان، على رأس القضایا والمناقشات الانتخابیة. العالم کان في انتظار نتیجة الانتخابات وإغلاق ملف أطول حرب خاضتها أمریکا. أما ترمب، فقد قال في إحدی جلساته الانتخابیة: لیتنا لم نخض الحرب في أفغانستان!
إن هذه الکلمة الصادرة من سویداء قلب ترمب، کانت تحکي عن أزمة کبیرة ذات جوانب متعددة داخل أمریکا؛ أزمة سیاسیة، واقتصادیة، واجتماعیة، وعسکریة أحاطت بـ قادة أمریکا.
ومن هذا المنطلق، وعد ترمب بإخراج جنوده من أفغانستان وتسلیم البلد إلی أهله، وکان هذا الموقف هوالموقف المطلوب الذي یتنماه الشعب الأفغاني حتی یصل إلی الحریة ویفك أسره من العبودیة والاحتلال.
ولکن، مع الأسف، تراجع ترمب عن هذا الموقف المناسب له ولبلاده والشعب الأفغاني، فأمر بإرسال المزيد من الجنود إلی أفغانستان. والهدف من الخطة الجدیدة، کما أعلن، هو القضاء علی الإمارة الإسلامیة، الغایة الصعبة التي لم يستطع الحلف الأطلسي تحقیقها خلال الأعوام الماضیة بقوات أکثر وإمکانیات أكبر.
ولا ندري کیف یرید ترمب تحقیقها بقوات أقل من ذي قبل. إن هذه الخطة لیست خطة رشیدة، بل هي خطة فاشلة جربها کثیر من المحتلین السابقین مثل بریطانیا وفرنسا وکندا وغیر ذلك من الدول المحتلة.
إن الاستراتیجیة الرشیدة لحل قضیة أفغانستان هي سحب جمیع القوات الأجنبية وعودتهم إلی بلادهم، ثم جلوس جمیع المواطنین الأفغان علی طاولة الحوار وإطلاق خطة لتشکیل حكومة صالحة إسلامیة راقیة تقوم بتعمیر دیننا ودنیانا.
وقد کان العالم قبل أشهر في انتظار صدور الإستراتیجیة الجدیدة لترمب، ولم یکن یتوقع أن یأمر بإرسال جنود جدد إلی أفغانستان؛ لأن هذا الأمر -بدل إغلاق الملف وإطفاء النار- یضرم النار ویؤدي إلی المزيد من الخراب والدمار ویسوق البلد والشعب الأفغاني إلی حرب بعیدة المدی لا یتکهن أحد بنهایتها.
واذا ألقینا النظر إلی استراتیجیة ترمب الجدیدة، فسوف نتوصل إلی نتیجة أخری؛ وهي حتمیة هزیمة الاحتلال في حرب أفغانستان، وإشراف حكومة کابل العمیلة علی السقوط.
وهذا ماکنا نبشر به شعبنا قبل ۱۵ عاماً. لأننا مسلمون ونؤمن بالقرآن وبوعد الله عز وجل، فالله أمر الأمة الإسلامیة بجهاد الکفرة ووعدهم بالنصر المبین. وقال: إن تنصروا الله ینصرکم ویثبت أقدامکم.
أبناء الإمارة الإسلامیة لا یبتغون من جهادهم المال والمقام، ولم یغادروا بیوتهم وأهلیهم لأجل ذلك، بل الهدف من خروجهم هو نصر دین الله وإقامة الشریعة الإسلامیة في أفغانستان والقضاء علی الاحتلال الأجنبي.
وإننا نتطلع إلی النصر الموعود القریب، وسنری بأم أعیننا هزیمة آخر قوات المحتلین على أرضنا الطاهرة المبارکة إن شاء الله.