الافتتاحية: أفغانستان تستقبل أبناءها المهجّرين
لقد كانت للحروب -المباشرة وغير المباشرة- التي شنتها قوى الطغيان على أفغانستان على مر العقود الماضية آثارها المدمّرة على البلاد وعلى بُناها التحتية وأساسيات الحياة فيها. الأمر الذي أدى إلى تشريد الملايين من العائلات والأسر الأفغانية ودفع بهم إلى اللجوء لدول العالم المختلفة، لاسيما دول الجوار.
العدوان السوفيتي (1979)، ثم الاقتتال الداخلي بين الأحزاب على السلطة (1989)، ثم الحصاران السياسي والاقتصادي الجائران اللذان فرضتهما أمريكا على أفغانستان (1996)، ثم الاحتلال الأمريكي الغاشم (2001)؛ كل ذلك كان سبباً أساسياً في تدفق أمواج المهاجرين الأفغان على دول العالم، على مدى الأربعين سنة الماضية.
وتُقدّر أعداد المهاجرين الأفغان الذين اجبروا على مغادرة البلاد خلال العقود الأربعة المنصرمة، نتيجة الحروب الطاحنة والأزمات المتتالية، بأكثر من 8 ملايين مواطن أفغاني، جلّهم لجأوا إلى البلدان المجاورة، لاسيما إيران وباكستان.
وفي الآونة الأخيرة، مع اتخاذ الحكومة الباكستانية إجراءات بالترحيل القسري للمهاجرين الأفغان المقيمين على أراضيها؛ عاد إلى البلاد من باكستان -حتى ساعة كتابة هذا المقال- أكثر من 340 ألف مهاجر، منهم 53,270 عائلة خلال الشهرين الماضيين.
القرار أحادي الجانب الذي اتخذته الحكومة الباكستانية بشأن ترحيل نحو مليون ونصف مليون مهاجر أفغاني قسرياً والذي لم تنسق فيه مع حكومة الإمارة الإسلامية؛ يخلق أزمات جديدة لمئات الآلاف من هؤلاء المهاجرين وعائلاتهم ويعمّق معاناتهم مع دخول فصل الشتاء، خاصة وأن المدة الزمنية بين الإعلان عن القرار وتنفيذه أقل من شهر واحد!
الجانب الباكستاني -مع الأسف- لم يراعي الأدبيات الدبلوماسية في قضية عودة اللاجئين إلى وطنهم، بشكل سلس وكريم وآمن ويحفظ لهم حقوقهم وممتلكاتهم، وبالترتيب مع الطرف المعني بالقضية؛ وهو هنا إمارة أفغانستان الإسلامية.
اللجنة العليا لشؤون المهاجرين التي شكّلها أمير المؤمنين الشيخ هبة الله آخوندزاده والتي تضم كبار المسؤولين في الإمارة لمتابعة ملف المهاجرين الذين يتعرضون للتهجير القسري من قبل بعض الدول وللإشراف على مسار عودتهم ولتسخير جميع الإمكانات لخدمتهم؛ أبلت بلاءً حسناً في توفير الخدمات الضرورية مع تدفق الأمواج البشرية من المهاجرين العائدين في فترة زمنية ضيقة.
ومن الخدمات التي وفّرتها هذه اللجنة -على سبيل المثال لا الحصر- مايلي:
– إنشاء مخيمات مؤقته من آلاف الخيم بقرب معبري (تورخم) و(سبين بولدك).
– تشكيل فرق طبية مركزية ومتنقلة، تابعة للهلال الأحمر الأفغاني ولوزارة الدفاع، تقدم الخدمات الصحية لنحو 62 ألف مريض في المخيم.
– توفير أكثر من 500 خزان وصهاريج للمياه.
– تنصيب هوائيات اتصال مؤقتة لتوفير خدمات الاتصال.
– نشر فرق أمنية على امتداد المخيمات للحفاظ على سلامة وأمن المهاجرين العائدين.
– إنشاء نقاط لتوفير الغذاء وتوزيع الوجبات الغذائية على المخيمات.
– توفير شاحنات نقل عسكرية تابعة لوزارة الدفاع للمشاركة في نقل العائدين إلى مناطقهم داخل البلاد.
كما أعلنت وزارة التعليم العالي أنها ستوفر فرص التعليم في الجامعات الأفغانية للطلاب الأفغان الذين أُجبروا على ترك مقاعد الدراسة بسبب قرار السلطات الباكستانية، في الأقسام التي كانوا يدرسون فيها.
ويحرص مسؤولوا الإمارة الإسلامية على زيارة المخيمات المؤقتة بين الفينة والأخرى للإطلاع على سير الخدمات المقدمة وحث العاملين هناك على تقديم التسهيلات اللازمة والقيام بمهامهم المُناطة بهم على أكمل وجه.
كلنا أمل واستبشار بأن أزمة اللاجئين الأفغان ستنجلي عما قريب -إن شاء الله- كما انجلت غيرها من الأزمات والمصاعب، بالتكاتف والتعاون وبجهود الصادقين والمخلصين من أبناء الشعب الأفغاني والأمة الإسلامية.