مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: أفغانستان في ذكرى تحريرها

في الحادي والثلاثين من أغسطس 2022م تمرّ بنا الذكرى السنوية الأولى لاندحار الاحتلال الأمريكي وفلوله من أرض أفغانستان الحبيبة، وانتصار الشعب الأفغاني وأبنائه المجاهدين بعد عشرين عاماً متواصلة من الصبر والجهاد والكفاح والمثابرة.

الذكرى الأولى التي عانقت فيها العاصمة كابول -علانيةً، وبِحُرّية- حُماتها وأبناءها الأوفياء الشجعان، الذين عاهدوها قبل انحيازهم إلى الجبال والقفار عام 2001م على أن يعودوا إليها مُحرّرين منتصرين، بعد أن رحل عنها آخر جنود الاحتلال حاملين معهم ذلهم وخيبتهم وصَغَارهم.

عشرون عاماً هي عمر جهاد الشعب الأفغاني ضد جيوش الخراب والدمار الذين تكالبوا عليه؛ يقتلون أبناءه، وينهبون ثرواته، ويحاولون سلخه من دينه وهويته. عشرون هي في نظر البعيدين رقمٌ يُكتب في المقالات ويُقرأ في البرامج الحوارية، ولكنها في ذاكرة الأفغان قصص من الأمل والألم، وحكايات من الكفاحات اليومية الصغيرة والكبيرة، وصبر ومصابرة على البأساء والضراء والزلزلة، ومعارك متصلة من الكرّ والفرّ والكمائن والفدائية التي لم يرَ لها التاريخ الحديث مثيلاً.

 

إذن هاقد أشرقت شمس حريتنا بعد ليالٍ طويلة من الظلام والوحشية. وهاقد أتى الفجر السعيد الذي نكتب فيه عبر نافذة “الصمود” عن انتصار شعبنا الشامخ الأبيّ، نكتب فيه عن خطى حكومة الإمارة الإسلامية الأولى في تنمية البلاد والنهضة بها وانتشالها من وحل الضعف الذي أغرقها المحتلون فيه. نكتب اليوم بعيداً عن التقارير الشهرية لجرائم المحتل وعملائه ومليشيات قطاع الطرق الذين صنعهم وسلطهم على الشعب، بعيداً عن إحصائيات القصف الجوي والبري على المواطنين والمداهمات الليلية والسجون وعمليات السلب والنهب والتخريب.

إن طرد الاحتلال وتطهير البلاد من دنسه؛ هو أولى خطوات الصعود والترقي في مدارج المجد، ومرحلة من مراحله الهامة. والمرحلة التالية، والتي لا تقل أهميّة عن المرحلة الأولى؛ هي مرحلة إعادة البناء والإعمار، وتطوير البُنى التحتية للبلاد على أسس متينة، وإصلاح ما أفسدته أيدي المحتلين في مجالات عديدة.

 

لقد أحرزت حكومة الإمارة الإسلامية، خلال عامها الأول، تقدماً وإنجازات ملحوظة على عدة أصعدة، رغم التضييق الاقتصادي والسياسي والتشويه الإعلامي المتعمّد. حيث قلّت -بشكل لافت- عمليات السلب والنهب والاختطاف، وتم منع زراعة المخدرات والاتجار بها ومعاقبة المخالفين. كما تم تطهير عدد من الولايات وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الحية والمعدات العسكرية.

إلى جانب أعمال إعمار عدد من الطرق الجديدة وإصلاح الطرق المتضررة والمدمرة، وبناء شبكات لإمداد المياه بالطاقة الشمسية وقنوات وخزانات مائية، ومشاريع في مجال التنقيب واستخراج المعادن، وإنشاء مدارس جديدة في المناطق المحتاجة، وتشييد منازل سكنية للأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية والحروب. كما تم إصلاح عشرات الطائرات والآليات العسكرية والمعدات الحربية المعطلة، وغيرها من الانجازات التي لا يتسع المقام لذكرها.

 

لقد تطهرت أفغانستان -أخيراً- من رجس المحتلين، ولكن هذا لا يعني توقف مكائد الأعداء وتربصهم دوائر السوء بها. فلاتزال البلاد بحاجة إلى سواعد أبنائها المخلصين الأوفياء؛ لتتخلص من آثار عقدين من الحرب المتوحشة الطاحنة التي أتت فيها على كل غصن أخضر مورقٍ وأحالته إلى أشواك جافة متيبّسة.

لقد عانى الشعب الأفغاني أشد المعاناة طيلة العقدين الماضيين، وهو اليوم يجني -بإذن ربه- ثمار جهاده ونضاله المجيد، وتحقيق الهدف السامي الذي في سبيله حمل آلاف الشهداء الأفذاذ أرواحهم على أكفهم.

يمر بنا هذا اليوم محتفلين فرحين بانتصار الحق على الباطل، وكابول وادعة هانئة هادئة فرحة بفرح فلذات كبدها، مستحضرة شهداءها الذين فازوا -بإذن الله- بروح وريحان وجنة عرضها السماوات والأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى