مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: أفغانستان .. 15 عاماً من الاحتلال .. وماذا بعد؟

بات من السهل جداً في الآونة الأخيرة أن تلتقط عين المراقب للوضع في أفغانستان مشاهد تساقط  المديريات الواحدة تلو الأخرى في أيدي أبناء الأرض – مجاهدي الإمارة الإسلامية – بشكل متسارع وخلال فترات وجيزة لا تتجاوز -في معظمها- الشهر أو البضعة أشهر. ومن المفارقة العجيبة أن هذا يحدث بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الخامسة عشر لبدء العدوان الأمريكي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على أفغانستان الإسلام في السابع من أكتوبر عام 2001م. أي أن الذين جاء الاحتلال الأمريكي قبل خمسة عشر عاماً لإسقاط حكومتهم الإسلامية العادلة وقتلهم وتشريدهم وتدمير بلادهم، أنبتتهم الأرض وأمطرتهم السماء وتوشّحتهم قمم الجبال ثانيةً! وعادوا -بكل قوة- إلى صدارة وسيادة المشهد من جديد.

ومع إلقاء هذه الذكرى الدموية البشعة بظلالها على أفغانستان للمرة الخامسة عشر، نتساءل: مالذي جنته أمريكا أو مالعائد الذي طال أمريكا من خمسة عشر عاماً أمضتها قواتها -بكافة معداتها العسكرية وآلياتها الحربية- في احتلال بلد فقير كأفغانستان؟ وهل “المهمة” التي جاء من أجلها أكثر من 150 ألف جندي من 42 دولة حول العالم، لم تتحقق بعد في هذا البلد المُعدم، حتى بعد مُضي خمسة عشر عاماً من الحرب الجائرة؟

إن “المهمة” التي لم تتحقق في بلد بسيط مثل أفغانستان، خلال عقد ونصف العقد من الزمن، مع وجود عشرات الآلاف من الجنود الغزاة من عشرات الدول، لهي “مهمة” جديرة بالدخول لموسوعة غينيس وتسجيلها كأفشل “المهام” وأكثرها إخفاقاً حول العالم.

وإنه لمن الوقاحة الصارخة والبجاحة الجامحة التي تفرّد بها ساسة أمريكا أن يظهر أحدهم على وسائل الإعلام ليعلن عن زيادة عدد قواتهم المحتلّة لأفغانستان أو عن تمديد مدة احتلالهم للبلد أو عن تراجع مزعوم لقوة عدوهم (المجاهدين) أو ليدعو الأخِيرين للانضمام طواعية إلى القطيع الذي يهُشّ عليه الراعي الأمريكي بعصاه الغليظة! وكأن السنين الخمسة عشر التي عايشها الشعب الأفغاني دامع المقلتين، مُدمّى الجسد، تحت ظلم الاحتلال الأمريكي وظلامه وجرائمه كانت هزلاً أو ممازحة عابرة!

عندما بدأ الاحتلال عدوانه على أفغانستان، أغرق وسائل الإعلام بحملة دعائية مركّزة تصب في منحيين: الأول: منحى الحرب على الإسلام ومظاهره والذي كان يتمثّل آنذاك في حكومة الإمارة الإسلامية، والثاني: منحى النفخ في الاحتلال، وتصويره على أنه المنقذ والمخلّص للشعب الأفغاني من كل المصائب والمآسي التي يعاني منها. فهل حقق الاحتلال الأمريكي ما كان يروّج له عبر وسائل الإعلام آنذاك؟ وما هو الواقع الذي يعيشه الأفغان اليوم ونحن نتخطّى عتبة العام الخامس عشر من الاحتلال؟

إن رجال الإمارة الإسلامية الذين توهّم الاحتلال الأمريكي أنه نجح في القضاء عليهم وعلى حكومتهم للأبد، يسيطرون اليوم على مساحات واسعة من البلاد، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، ويديرون شؤون الناس وأمورهم الحياتية فيها. فقد تمكن مجاهدو الإمارة مؤخراً من السيطرة على ولاية قندوز للمرة الثانية، بعد أن سيطروا عليها للمرة الأولى في سبتمبر العام الماضي. وهاهم يقلّمون مخالب النمر البريطاني ويكسرون الخنجر الأمريكي بسيطرتهم على 90% من مساحة ولاية هلمند، أما قلب الولاية (لشكرجاه) فمرشّح بقوة للسقوط في أيدي المجاهدين خلال الأيام القليلة القادمة. هذا عدا عن تقدم المجاهدين الحثيث في الولايات الأخرى.

وإن حدثناكم عن الجيش والشرطة الأفغانية الذيْن أمضى الاحتلال عمراً في تسليحهما وتجهيزهما وتدريبهما بالأمس، فقد أصبحا اليوم عيونٌ تُبصر وآذانٌ تسمع للإمارة الإسلامية داخل الكيان العميل. أما الكثرة الباقية منهم فإما استسلموا أو انخرطوا – قادةً وجنوداً- في العمل الجهادي ضمن صفوف الإمارة، مصطحبين الأسلحة والآليات التي كان سلّحهم بها الاحتلال الأمريكي، لتنطلق اليوم رصاصاتها وقذائفها في الاتجاه الصحيح نحو صدور المحتلين وأذنابهم. ولا أدلّ على ذلك من استسلام 225 عنصراً من عناصر الجيش والشرطة للمجاهدين، يوم الأثنين الماضي، مُسلّمين 53 مدرعة و35 سيارة رينجر و4 شاحنات في ولايتي (هلمند) و(أروزجان).

ويالحسرة الاحتلال الأمريكي على ما أنفق من مال وعلى ما خسر من جنود في عدوانه على أرض الأفغان، الأرض الصلبة، العنيدة، والعصيّة على الغزاة الأنجاس!

وإن حدّثناكم عن مشكلتي الضعف الاقتصادي والفقر اللتيْن يعاني منهما الشعب الأفغاني منذ وقت طويل بسبب الحروب المتواصلة، فقد ازدادت بشكل ملحوظ بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، حيث فقدت الكثير من الأُسَر الأفغانية عائلها نتيجة لاستشهاده في قصف همجي، أو اعتقاله في سجن وحشي، أو تعرّضه لإعاقة دائمة أفقدته القدرة على العمل لسد رمق من يعولهم.

والمرأة الأفغانية التي استمات الاحتلال وأذنابه في زعم تحريرها والدفاع عن حقوقها، فهي اليوم تعيش حالة من الشقاء والبؤس بعد أن سلب المحتلون منها حق العيش بسلام واطمئنان وأمن. فإن هي نجَت من حمم الدرونز والمقاتلات الأمريكية، لم تنجُ من رصاصات يطلقها أحد المحتلين المسكونين بحب سفك الدماء، على عادتهم في ترويع الآمنين وقتل الأبرياء في المداهمات الليلية. واضطروها -بعد أن كانت تعيش بأمان في ظل حكم الإمارة الإسلامية- إلى ترك منزلها والنزوح إلى مخيمات اللاجئين، التي تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة، في داخل البلاد أو خارجها. فحقوق المرأة عند المحتلين تبتدئ من نزع الحجاب، وصداقة الرجل، والنزول إلى مستوى البهيمية، وإلى هنا تنتهي حقوق المرأة كما يراها المحتلون.

ولقد جعل الاحتلال الأمريكي أفغانستان تتصدر دول العالم وتحتل المراتب الأولى عالمياً في إنتاج المخدرات، وفي الفساد الحكومي، وفي انعدام الأمن! فأفغانستان (المحتلة) هي الأولى عالمياً في إنتاج المخدرات، والرابعة كأثر الدول فساداً حكومياً، والثانية كأقل الدول أمناً! ويعلم الجميع أن هذه المشاكل (إنتاج المخدرات، والفساد الحكومي، وانعدام الأمن) لم تكن موجودة إبّان حكم الإمارة الإسلامية، حيث قضت الإمارة على المخدرات ومنعت زراعتها بأمر واحد فقط من أمير المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله، فامتثل الجميع لأمره. كما أن الأمن عمّ البلاد طولاً وعرضاً في ظل الإمارة الإسلامية، فكان المواطن الأفغاني ينتقل من مدينة لأخرى قرير العين مطمئن البال، بعد أن قضت الإمارة على قطاع الطرق واللصوص وعصابات الخطف. وأما عن الحكام والمحكومين تحت حكم الإمارة فليس ثمّة كثير فرق، فالعين لا تكاد تجد فروقاً تميّز مسؤولاً حكومياً عن مواطن عادي، فالعدل أساس حكم الإمارة الإسلامية. على العكس تماماً مما يعيشه المواطن الأفغاني اليوم في ظل حكومة لصوص الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى