مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: الاحتلال الأمريكي إلى اندحار

لو قُدّر للحماقة أن يكون لها عنوان خاص بها لما وسعها إلا أن تتخذ أمريكا – بسياسيّيها وعسكريّيها ورئيسها الأسود – عنواناً لها. لا نقول هذا نحن، بل تقوله قرارات الرئيس “المسطول” الذي لا يكاد يمر عام إلا وله فيه قراران -على الأقل- ينقض أحدهما الآخر بشأن استمرارية احتلال جيش بلاده لأرض الأفغان. وهاهو يثبت حماقته بنفسه مجدداً حين أعلن تراجعه عن قراره السابق الذي يقضي بخفض عدد جنوده المحتلين في أفغانستان إلى 5500 جندي بحلول نهاية العام الحالي بالإبقاء على 8400 جندي، هذا القرار الذي أتى أصلاً نتيجة لتراجعه عن قرار سابق. وهكذا ظل الرئيس “المسطول”، منذ توليه منصب الرئاسة في بلاده، يدور في حلقة مفرغة ودوامة من التراجع عن قرارات فاشلة أعلنها بخصوص استمرار احتلال أفغانستان. والأمر المثير للسخرية أن هذا الرئيس “المسطول” يلصق دوماً سبب ترنح قراراته بتزعزع الوضع الأمني لأفغانستان، بينما مواطنيه يقتل بعضهم بعضاً على خلفيات عنصرية، ويقتل الشرطي المواطن والمواطن الشرطي، وتشتعل مدن الأمريكية بالاحتجاجات الغاضبة، وتجده مع ذلك يحاضر عن الوضع الأمني في أفغانستان!.

ولعل أسوَد البيت الأبيض لا زال يُمنّي نفسه، من خلال المماطلات بالانسحاب التام والكامل من أفغانستان، بشبه نصر يرد لبلاده ماء وجهها القبيح الذي أُهريق تحت أقدام المجاهدين من أبناء الشعب الأفغاني البسطاء. ولكن أنّى لهم حتى بشبه نصر؟ ووزير الدفاع الأمريكي -بعد مرور 15 عاماً من احتلال أفغانستان- لا يتجرّأ على أن يصلها بزيارة رسمية معلنة، بل تجده يتسلل خِلسة كالقط المذعور تحت جنح الظلام ليلتقي ببعض عملائه الأفغان. وأنّى لهم بشبه نصر وحكومتهم العميلة التي أنفقوا عليها الأموال الطائلة لتنوب عنهم في رعاية مصالحهم في البلاد هي من أفشل وأفسد الحكومات على مستوى العالم، بل حتى الجيش العميل الذي بذلوا لتسليحه وتدريبه وتجهيزه مئات المليارات من الدولارات لم يزد على أن يكون جيشاً بلاستيكياً يعجز عن الصمود لوحده أمام عملية صغيرة من عمليات المجاهدين اليومية!. وغاية الشجاعة وأقصى البطولة عند الجندي المحتل والعميل هي أن يقصف -على ارتفاع آلاف الأقدام من السماء- مدني هنا أو هناك ليتوهّم الانتصار، بعد أن جبُن عن نزال المجاهدين وجهاً لوجه على الأرض.

وبرغم أن الاحتلال الأمريكي يعتمد بشكل أساسي على عمليات القصف الهمجي في المعارك القتالية، إلا أن المجاهدين الأشاوس -رغم أنف الاحتلال وطائراته- تمكنوا من إحراز تقدم كبير وانتصارات في عدة مناطق من البلاد، كان آخرها فتح مديرية “قلعة زال” بولاية قندوز، وعلى خطاها تسير مديرية “دشت ارتشي”، وقبلها بفترة وجيزة كانت الفتوحات في مديرية شاوليكوت بولاية قندهار ومركز مديرية سنجين بولاية هلمند وغيرهما.

ولا ينبغي أن نغفل عن أن هذه الفتوحات تحدث في الوقت الذي تمرّ فيه الإمارة الإسلامية بظروف لو مرّ بها غيرهم من المذبذبين لما وسعهم إلا أن يرفعوا الراية البيضاء ويخضعوا لقوة الحديد والنار المحتلة. فلم تكد نفوس المجاهدين تبرأ من جرحها بعد الإعلان عن وفاة الأمير النبيل المؤسس الملا محمد عمر المجاهد رحمه الله، حتى أُصيبت مرة أخرى باستشهاد أميرها الوفي الملا أختر محمد منصور رحمه الله. لكن الله عز وجل حفظ هذه النبتة الطيبة (الإمارة الإسلامية) في الأرض الطيبة (أفغانستان) من كل الأعاصير التي مرّت بها على مدى 15 عاماً من الاحتلال. حفظها بالشعب الأفغاني الشهم العظيم الصابر الذي احتضنها وكان لها بمثابة الروح للجسد. وحفظها بالقيادة الحكيمة العبقرية الفذّة التي تُحسن إدارة الأمور وتدبيرها بفضل الله تعالى، ظهر ذلك جليّاً في بيان أمير المؤمنين الشيخ هبة الله آخندزاده بمناسبة عيد الفطر المبارك، والذي أكّد فيه على ثوابت الإمارة الإسلامية ومبادئها غير القابلة للأخذ والرد وهي: تطهير كامل التراب الأفغاني من دنس الاحتلال تطهيراً تاماً لا نقص فيه، وإقامة النظام الإسلامي في البلاد الذي يكون هيكله الأكفاء من أبناء الشعب الأفغاني بكافة فئاته.

الاحتلال الأمريكي إلى اندحار -بإذن الله- طال الزمان أم قصر. سيندحر هذا الاحتلال الدموي السفّاح ويُولّي هارباً من أفغانستان بعد أن استنفد كل مافي جعبته من سهام الإجرام وبعد أن بذل كل مافي طاقته من مكائد ومؤآمرات. سيندحر بسواعد الأفغان الأُباة الذين ضحّوا بأغلى ما يملكون، بأرواحهم، في سبيل الذود عن بلادهم وحرماتهم وعن دينهم قبل ذلك كله، ولم يعد لديهم ما يخسرونه أو يخشون فواته. سيزول الاحتلال وتبقى قواعده المهدّمة وآلياته المدمّرة وطائراته المسقطة في أفغانستان لُعباً يلهو بها أطفال الشعب الأفغاني كما كانت مخلّفات الاتحاد السوفييتي المنهزم، وستكون شاهدة جديدة من شواهد التاريخ على أن هذه الأرض الطيبة ما دخلها غازٍ إلا وقصمت ظهره وقلّمت أظفاره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى