مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: الاحتلال الأمريكي..ارتجالية التصريحات والقرارات

أربعة عشر عاماً وأربعة أشهر مضت منذ الهجوم البربري، الهمجي، الذي شنّته الولايات المتحدة على أفغانستان، والذي لايزال الشعب الأفغاني المستضعف يعيش تحت وطأته، ويتجرع مرارة الظلم والوحشية على أيدي جنود دولة الحضارة والديموقراطية الدموية.
بإلقاء نظرة سريعة ومتفحّصة على القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية حيال سياسة انسحاب جنودها المحتلين في أفغانستان منذ بدء الهجوم الإرهابي على هذا البلد المنكوب، يتأكد مدى تخبط هذه الإدارة وفشلها في إخضاع الشعب الأفغاني ومقاومته البطولية لها. حيث بدأ الاحتلال هجومه على أفغانستان عام 2001م بقوّات عسكرية بلغ قوامها أكثر من مئة ألف جندي من دول مختلفة. ثم بعد 8 سنوات من الحرب الشعواء، وبالتحديد في ديسمبر 2009م، سارع الرئيس الأمريكي “أوباما” إلى زيادة عدد جنوده المحتلين بزيادة بلغت ثلاثين ألف جندي، وإعلانه عن بدء انسحاب قواته المحتلة من أفغانستان في يوليو 2011م. ليبلغ بذلك تعداد القوات المحتلة لأفغانستان، في صيف 2010م، قرابة مئة وخمسين ألف جندي محتل من مختلف الجنسيات. وفي يونيو 2011م، يعلن أوباما عن بدء سحب 33 ألف جندي من أفغانستان بحلول منتصف عام 2012م. وفي فبراير 2013م، يعلن أوباما عن سحب 34 ألف جندي أمريكي من أفغانستان بحلول فبراير 2014م، ليصبح بذلك العدد الإجمالي لقوات الاحتلال 98 ألف جندي من دول التحالف، 68 ألف منهم أمريكان. وفي فبراير 2014م، يعلن أوباما عن انسحاب كامل لجنود الاحتلال مع نهاية العام، القرار الذي تراجع عنه في وقت لاحق، ليعلن عن خفض عدد جنوده المحتلين في أفغانستان إلى ألف جندي بحلول نهاية عام 2016م. وهذا القرار أيضاً تراجع عنه في وقت لاحق ليعلن مرة أخرى عن إبقاء 9800 جندي محتل، وخفض هذا العدد إلى 5500 جندي محتل مع نهاية العام 2016م.
هذا الارتجاف في اتخاذ القرارات والعدول عنها، ثم اتخاذ قرارات أخرى، وهكذا دواليك، ألا يؤكد أن الاحتلال الأمريكي يسير في ذات النفق المظلم الذي سار فيه الاحتلالين السوفييتي والانجليزي والذي انتهى بهما إلى حتفهما؟
ولا يغيب عنا كذلك حالة الفصام السياسي التي يعيشها مسؤولوا الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، ففي الحين الذي يعترف فيه المفتش العام لما يُسمى بـ(إعادة إعمار أفغانستان)، مُرغماً، باتساع المساحة التي يسيطر عليها مجاهدوا الإمارة الإسلامية في الميدان، وأن المناطق التي بسط المجاهدون جناح سيطرتهم عليها باتت أكثر بكثير مما كانوا يسيطرون عليه منذ بدء الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي عام 2001؛ يُطالب الجنرال “جون كامبل”، قائد قوات الاحتلال في أفغانستان، مجاهدي الإمارة الإسلامية بالتخلي عن فريضة جهاد المحتلين المعتدين، والانخراط في عملية ما أسماه (السلام والصلح).
ونحن بدورنا هنا نتساءل عن ماهية (السلام والصلح) الذي يرمي إليه جنرال الموت والتخريب؛ هل هو “سلام” من النوع الذي يقصف المستشفيات الإنسانية بقنابل الموت – بمن فيها من الجرحى، والأطباء، والممرضين، والمدنيين- كما فعل جنوده في المستشفى الإنساني التابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في ولاية قندز قبل بضعة أشهر؟ أم “سلام” من النوع الذي يُعتقل فيه الأبرياء وهم في كامل صحّتهم ثم يُسلّمون إلى ذويهم جُثثاً هامدة بسبب التعذيب الذي تعرّضوا له، كما اقترف جنوده السفّاحين بحق عالم دين من أهالي ولاية ننجرهار في سجن “باغرام” البشع؟ أم “سلام” من النوع الذي يتخذ من الطائرات المُسيّرة عن بُعد، لعبة يمارس بها هوايته في قتل الأبرياء وقصف المدنيين، بكل استهتار وانحطاط خُلقي، كما يحدث دائماً وبشكل يومي في جميع ولايات أفغانستان، على أيدي جنوده المتخصصين والبارعين في هذا النوع من “السلام”؟.
لا نلوم الجنرال “كامبل” العجوز على هذيانه، فلعل ما شهِده من بسالة وشجاعة الشعب الأفغاني المجاهد، أصاب عقله بالخرف، وجعله يهذي بكلام لا يستحق ضياع الوقت الذي قيل فيه.
لقد أخطأ جنرال الاحتلال الأمريكي العنوان. فإن الذي يمد يده ليقتلع عينا المحتل وهو مستضعف، مخذول من القريب والبعيد، في أوج الاحتلال؛ لا يمد يده ليصافح ذات المحتل وقد أصبح في موضع قوة، وقد تهيأ العالم ليعترف به -مرة أخرى- كقوة فاعلة لها تأثيرها ووقعها على الساحة، في وقت يلفظ الاحتلال فيه أنفاسه الأخيرة.
إن مجاهدي الإمارة الإسلامية ليسوا بحاجة للقتلة الدمويين، المستهينين بدماء وأرواح بني البشر، أمثال جنرالات الاحتلال البغيض، لدعوتهم إلى “السلام”. فالسلام الحقيقي يعرفه جيداً أبناء الشعب الأفغاني، رجال إمارة أفغانستان الإسلامية، الذين حكموا أفغانستان لخمسة أعوام، كانت من أروع وأجمل الأعوام التي عاشها شعب أفغانستان تحت ظل حكومته الإسلامية المميزة التي قضت على قطاع الطرق واللصوص، وبسطت الأمن في أرجاء البلاد، وأنهت زراعة المخدرات والاتجار بها في زمن قياسي، وحافظت على أركان الدولة من الفساد والفاسدين، وأشاعت العدل بين مواطنيها.
إن الانتصارات المتتالية التي حققها المجاهدون خلال السنة الأخيرة في شتى ولايات البلاد، وعجْز الاحتلال وحكومته العميلة عن إيقافها، وارتجالية قرارات وتصريحات مسؤولي الاحتلال الأمريكي بشأن الوضع الراهن في أفغانستان، كل ذلك ماهو إلا إرهاصات لاندحار الاحتلال وتضعضع كيانه، وعودة إمارة أفغانستان الإسلامية إلى صدر البلاد من جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى