الافتتاحية: البُغاة ألعوبة الغُزاة
عندما كانت أفغانستان واقعة تحت الاحتلال الأجنبي بقيادة أمريكا عشرين عاماً، كان هذا الاحتلال المجرم يسفك دماء أبناء الشعب الأفغاني، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، ولم يكن يرعى حُرمة ولا يرقُب ذمة، يمطر أهل الأرض التي اعتدى عليها بجميع أشكال وألوان القذائف والمتفجرات نهاراً، ويقض مضاجع النائمين الساكنين ليلاً، يوْدِعُ الشيب والشبان المعتقلات والسجون ظُلماً وقهراً، ويُجهزُ على الجرحى والمرضى في المستشفيات والمراكز الصحية إمعاناً في البطش والتجبر. لقد ارتكب هذا الاحتلال الهمجي بحق الشعب الأفغاني ما يندى له الجبين ويشيب له الرأس من فظائع الانتهاكات والاعتداءات.
ورغم ذلك كله، وفي أتون المحنة والألم الذَيْن يعانيهما الشعب الأفغاني آنذاك؛ أطل برأسه، أُلعوبة الغُزاة ودميتهم: تنظيم داعش، لا ليرفع الظلم وينصر المظلوم؛ بل ليكمل مسيرة الظلم والجبر الذي بدأهما الاحتلال؛ فكانت كل معاركه تتخذ من الشعب الأفغاني ومجاهديه هدفاً يصوّبون نحوه فوّهات أسلحتهم، زاعمين كفرهم -والعياذ بالله- لمجرد مخالفتهم إياهم، في حين كان المحتلون في أمن واطمئنان من معاركهم!
لقد أثبتت الأحداث والوقائع على الأرض غير مرة أن هذه النبتة الغريبة على هذه الأرض الطيبة جلبها المحتلّون قبل رحيلهم لتفسد في أرض الأفغان وتخرب ثمرة جهادهم الطيب الذي دام عشرين عاماً وتكمل السوء الذي بدأوه هم. ولكن -بحمد الله وتوفيقه- لم ينخدع الشعب الأفغاني ولم تنطلي عليه ترّهاتهم ودندناتهم الجوفاء، فهو الذي عركته الخطوب وخَبِر -عبر تجاربه الطويلة- ذوو القلوب السوداء والقوالب اللامعة التي لا تخدع سوى أعين المغفلين والبسطاء، كحال المخدوعين بفرعون حين قال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر:26].
إن من العجائب التي تُضاف لأرض أفغانستان، بالإضافة إلى أنها مقبرة لكل غازٍ دخيل، هي أنها مقبرة أيضاً لتجار الدين ومن يتخذونه أداة لنيل مآربهم وتحقيق أطماعهم وحظوظ نفوسهم. فهاهي أفغانستان، بسواعد جنودها الأبطال الأباة، تلفظ هذه الشرذمة وتُنهي وجودهم وتمُجّ فكرهم الخبيث، في عمليات استباقية أجهزت على بقايا شرهم.
ولكن وعلى الرغم من هذه الحقيقة؛ حقيقة احتضار داعش في أفغانستان، لا تزال بعض الدول هنا وهناك تُصرّ على النفخ في هذا التنظيم وتضخيمه، زاعمة حضوره بقوة على الأراضي الأفغانية، دون أي دليل أو حقائق ملموسة!
إن الحقيقة التي يشهد بها واقع الحال هي أن هذا التنظيم لم يجد له موطئ قدم ولا أرضاً صلبة يتموضع فيها داخل أفغانستان، فوقوده الوحيد الذي يقتات به هو الشعارات والداعايات؛ وهذه -بفضل الله- لا تنطلي على شعب قاعدة عريضة منه هي من العلماء وطلبة العلم وحفظة كتاب الله.