الافتتاحية: المرأة الأفغانية.. والإعلام المسموم!
في بداية دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مكة إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام، كان شياطين الإنس من كفار قريش -من شدة حقدهم وحسدهم- يُشيعون في الناس ويوسوسون لآحادهم بأنه ساحرٌ يفرق بين المرء وزوجه والابن وأبيه؛ ليصرفوا الناس عن سماع دعوة الحق والهدى، وليستبقُوهم في ظلمات التِيه والضلال. حتى كان بعض من تأثروا بهذه الافتراءات يجتنبون مجرّد الاستماع إلى دعوته -صلى الله عليه وسلم-؛ إما بعدم مجالسته أو بسدّ آذانهم؛ كما فعل الطُفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- قبل إسلامه، عندما خشي من أن يسمع كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلوا القرآن.
إن افتراء الأكاذيب واختلاق الأباطيل على أهل الحق والهدى، لم تكن بضاعة خاصة بكفار قريش وحدهم، بل هي بضاعة أهل الباطل في كل زمان ومكان، يبتاعها منهم خفيفوا الأحلام وضعفاء العقول. قد تختلف الأساليب والأدوات، ولكن أصل البضاعة هو هو؛ الرداءة والفساد!
واليوم، بعد أن مكّن الله -سبحانه وتعالى- الشعب الأفغاني من تطهير أرضه من دنس الاحتلال وطرد قوى الاستكبار والطغيان؛ يبذل هؤلاء المطاريد جهودهم، بكل ما أوتوا من قدرة على اختلاق الكذب والبهتان، لتقبيح صورة نظام الحكم الإسلامي الذي تمثّله وترمز إليه؛ إمارة أفغانستان الإسلامية، في أذهان المسلمين وغير المسلمين!
ويكفي أن تمرّ مروراً سريعاً على بعض الوسائل الإعلامية هنا وهناك التي تتناول الشأن الأفغاني، لترى الكم الضخم من الاستخفاف بعقول الجمهور في بثّ أباطيل وأكاذيب حول تعامل الإمارة الإسلامية مع النساء؛ يستعصي على من يحترم عقله أن يُقرّها فضلاً عن أن يصدّقها!!
عشرون عاماً، قُتلت فيها المرأة الأفغانية أو أصيبت إصابة أعاقتها عن حركتها في الحياة؛ بأطنان الصواريخ والقذائف الأمريكية. عشرون عاماً، حُرمت فيها المرأة الأفغانية من حقها في العيش الأُسَري السويّ مع زوجها/أبيها/أخيها/ابنها إما بقتله أو بتغييبه في السجون والمعتقلات الوحشية. عشرون عاماً، نُكِّل فيها بالمرأة الأفغانية وانتُهِكت حرمتها واستُبيحت كرامتها؛ بالمداهمات الليلية الأمريكية الإرهابية؛ بحرمانها من عائلها؛ بالتحرش بها من قِبل مسؤولي الحكومة العميلة الفاسدة؛ بنهب ثروات بلادها وإغراقها في الفقر والعوز والحاجة الدائمة.
كُل هذه الكوارث والطوام التي عانتها المرأة الأفغانية على مدى عشرين عاماً -يا سبحان الله!- كانت شفافة غير مرئية، ولا تُذكر ولو على هامش فاصل إخباري؛ لتفاهتها في أعين الإعلام الغربي الذي نصّب نفسه -مؤخراً- وصيّاً على المرأة الأفغانية ومتحدّثاً باسمها؛ يُحدد لها: ما هو حقها، وما ليس بحقها، وما هي الحرية، وما ليس بحريّة!!
والحقيقة التي لا مراء فيها ولا ريب؛ أن ذوي ربطات العنق وربائبهم، لا يهمّهم من شأن المرأة الأفغانية سوى ما يحقق أهدافهم ويُنفِذ سمومهم في النسيج الأفغاني ويُعيد إلى أيديهم حِبال التحكّم والتسلّط على هذا الشعب. وما عدا ذلك؛ فلا تعنيهم المرأة الأفغانية حتى وإن دُقّت عظامها وتكسّرت أضلاعها، ولا أدل ولا أوضح على هذا من العشرين سنة الدامية التي أشبعوا فيها المرأة الأفغانية فقداً وحزناً وإثكالاً وإفقاراً، ثم دعمهم الكامل -غير المحدود وغير المشروط- اليوم للكيان الصهيوني السفاح المجرم في مجازره بحق غزة؛ نساءً ورجالاً وأطفالاً والتي ارتقى فيها حتى الآن أكثر من 53 ألف شهيد، من بينهم 12 ألف امرأة شهيدة.
عندما تحظر دول -بعلمانيتها المتوحشة- على النساء ارتداء الحجاب، وتمنع المتحجبات من التعليم والعمل والخدمات الحكومية، أو تحدد العدد الأقصى المسموح به لإنجاب الأطفال في الأسرة الواحدة، أو تفرض تعليم الشذوذ في مدارس الأطفال وتجرم رفضه؛ هذا كله وأكثر -في نظر الإعلام الغربي وأبواقه- من الرقي والحضارة والتطور!
أما أن تتخذ الإمارة الإسلامية بأفغانستان إجراءات تصحيحية لتحسين وضع التعليم للفتيات بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية وثقافة المجتمع الأفغاني المحافظ، وإنشاء مدارس ومؤسسات تعليمية خاصة بالنساء -شأنها شأن بعض الدول الإسلامية-، بعد عقدين من فرض التغريب في التعليم والبيئة التعليمية؛ فهذا -في نظر الغرب وأبواقه- انتهاك صارخ لحقوق المرأة، والتي -بالمناسبة- يغتصبون أموال بلادها ويجمدونها منذ أكثر من 3 أعوام بغير وجه حق!
غنيٌ عن البيان القول أنّ الإمارة الإسلامية إنما هي من تربة هذا الشعب ومادته الأصيلة، الذي ساندها وعاضدها وكان -منذ يوم الاحتلال الأول- حاضنتها الأمينة وساعدها القوي، آواها ونصرها وشاطرها كسرة خبزه وجرعة مائه. وهاهي اليوم تسعى لخدمة هذا الشعب، رجالاً ونساءاً، بماء العينين وعصارة القلب؛ حفظاً لجميل صنيعه بالأمس القريب والبعيد.