مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: الولايات المتحدة الأمريكية؛ من الحرب إلى السلم ثم إلی طاولة الحوار بغياب رايتها

في ٢٠٠١ حينما دخلت الولايات المتحدة أفغانستان وضربتها بكل ما في وسعها وشنت عليها حربًا واسعة النطاق، لم تظن أمريكا ولا أحد ممن عاش ذاك اليوم أن تعود الولايات المتحدة إلى أفغانستان من بابها الصحيح، من باب الدبلوماسية والتفاعل، وتجلس مع الذين حاربتهم وأدرجتهم في قائمتها السوداء، وعينت المكافآت المالية لمن أبلغ عنهم، وتجلس معهم، دون وجود العلم الأمريكي، إلى جانب راية واحدة وهي راية الجهاد ضد المحتل والاحتلال وراية التوحيد والصمود.

 

وسواء كانت الولايات المتحدة تنوي إعادة بناء علاقات دبلوماسية مع الإمارة الإسلامية أو تنوي شيئًا آخر، فإن القدر ساقها للعودة إلى أفغانستان، ولكن هذه المرة ليس كدأبها المستمر الذي يمتلئ تعاظمًا وتفاخرًا، ولا كديدنها الدائم المفعم بالتطاول والتمادي، ولا بزيها العسكري المنسوج بإذلال وتجهيل الآخرين.

إن الصورة التي تناولتها وسائل الإعلام لمبعوثها الخاص (زلمي خليل زاد) في مطار كابل الدولي وهو محاط بالذين حارب ضد بلدهم مدة عشرين عامًا، بزيهم الجهادي وبندقيتهم الموضوعة على كواهلهم، والذين لم يعترِهم التغير لا في الزي ولا في المسار ولا في العقيدة، بينما يتضح التغير في الطرف الآخر تمامًا؛ في زيهم وفي سلوكهم وفي أخلاقهم، وكأن الشمس طلعت من المغرب؛ أمريكا أكبر قوة في العالم تدخل كابل لأول مرة بعد عشرين عامًا، بشكل غير معتاد؛ لا تشاهد فيه مظاهر الإذلال للدولة المضيفة، ولا دفع رئيسها إلى صفوف الجنود ليقف خلف المنصة، بكل غطرسة وكأن تلك الدولة ولاية من ولاياتها وكأن ذلك الرئيس عُين حاكمًا عليها بأمرها المباشر!

 

ثم لا ينبغي أن نتجاهل، أنه كان هناك رجل، آنذاك، يستيقن هو وفئته القليلة بأن يومًا ما سينقلب كل شيء، وسينصرهم الله ويهزم عدوهم المتعجرف، وقال مقولته المشهورة: “إن الله وعدنا بالنصر، وبوش وعدنا بالهزيمة، وسننظر أي الوعدين أصدق”. والذي رأيناه مؤخراً هو إحدى المظاهر لتلك المقولة المعروفة، والتي ثبت أنها خرجت من قلب مؤمن تقي واثق بوعد الله -نحسبه كذلك-، وأن الجهاد والصمود مثمر ومنتج.

 

فلیست اليوم أوراق القوة بين يدي الولايات المتحدة، وليست هي من تحدد كل سياسة؛ فالتحوّلات الجيوسياسية لأفغانستان قد جرّت الدول المختلفة، بما فيها الولايات المتحدة، إلى تراجع جذري في سياساتهم الخاطئة، فقد دخلت هي أفغانستان عنوة لتفرض دولة قائمة على نهجها، ولتضع جذورها في أرض أفغانستان، ولتحكّم على العالم، ولم تفكر أن أرض أفغانستان الأبية لا تقبل القوة، وأن شعبها شعب غيور لا يقبل الإذلال ولا الذل ولا الهوان، وأنها أرض اعتادت الصمود والمقاومة أمام كل جبار عنيد.

 

ورغم كل ذلك، فالكرة الآن في ميدان الولايات المتحدة، يمكن لها العودة إلى أفغانستان كسائر الدول؛ دون غطرسة وكبرياء؛ ودون تعرض للسيادة الوطنية، فباب الحوار مفتوح أمامها، لا سيما وأن إمارة ‎أفغانستان الإسلامية، منذ استعادتها الحكم، أعلنت استعدادها لبدء العلاقات مع كافة الدول بما فيها الولايات المتحدة، دون وضع أي شروط مسبقة، كما أقامت علاقات سياسية، اقتصادية، وتجارية مع العديد من الدول.

 

وعلى كل حال، ورغم العقبات والضغوط، يمكننا القول بأن الإمارة الإسلامية نجحت في انتهاج السياسة المتوازنة، والتي أحرزت من خلالها نجاحات في ميدان السياسة والدبلوماسية، كما تفوقت في ميدان الجهاد والنضال، وأن مكانة الإمارة الإسلامية تتنامى على الصعيد الخارجي، بين المجتمع الدولي، وأن الدول المختلفة حريصة على التعاون مع كابل، وهذا أمر لابد أن يدركه الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى