الافتتاحية: اليوم صفر زراعة، وغداً صفر إدمان
بعد العدوان الأمريكي على أفغانستان واحتلالها عام 2001م، انتعش سوق المواد المخدرة في البلاد، وراجت زراعتها، وسقط في وحل إدمانها وتعاطيها مئات الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني. حتى بلغ الأمر أن أصبح بيعها وترويجها على الملأ وفي مواقع وأماكن عامة وغير بعيدة عن أعين الاحتلال وحكومته التي جاء بها.
الجسر المحروق أو (بولى سوخته)، كان أحد أشهر أماكن بيع وتعاطي هذه السموم في العاصمة كابل. وكم حوى بين جنباته من مآسي وبؤس وآلام، غضت الطرف عنها، بل باركتها، الحكومة السابقة والاحتلال الأمريكي، بُغية أن تظل شريحة واسعة من الشعب الأفغاني مُغيّبة عن الواقع وتغييره وبعيدة عن إرادة مقاومة الاحتلال وتحرير البلاد.
وكانت معضلة تعاطي المخدرات وبيعها وزراعتها، تتفاقم بمرور الوقت وتعاقب سنين الاحتلال، حتى أصبحت أفغانستان تنتج 90% من محاصيل (القنب الهندي) في العالم! وبحلول عام 2021م، كان قد بلغ عدد مدمني المخدرات أكثر 3.5 ملايين مدمن، بينهم نحو مليون امرأة مدمنة.
وبعد تحرير أفغانستان من الاحتلال الأمريكي، وتولي الإمارة الإسلامية الحكم في البلاد، كان من أوائل القرارات التي أصدرتها قيادة الإمارة؛ منع زراعة المواد المخدرة وتعاطيها وبيعها ونقلها والتجارة فيها وإيرادها وتصديرها وإنتاجها. واتخذت الجهات المعنيّة في حكومة الإمارة الإسلامية الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا القرار والمُضيّ قُدُماً لتحقيقه على أرض الواقع، على مختلف الصُعُد.
فعلى الصعيد الميداني والأمني، وصلت أفغانستان اليوم -بفضل الله- إلى مستوى الصفر في زراعة المواد المخدرة، إما امتثالاً من قبل المزارعين للمرسوم الصادر من قيادة الإمارة، أو بجهود القوات الأمنية التي تقوم بإتلاف محاصيل وحقول المواد المخدرة إن وُجِدت. وخلال العامين الماضيين، دمّرت القوات الأمنية 1500 مصنع ومستودع لإنتاج وتصنيع المخدرات، واعتقال المتورطين، مما أسهم في وقف إنتاج المخدرات بالكامل في البلاد.
وسلّم التقرير الأخير الصادر عن (مجموعة الأزمات الدولية) بهذه الحقيقة، وأن الحملة التي أطلقتها حكومة الإمارة الإسلامية لمحاربة المخدرات حققت نتائج غير مسبوقة ولا مثيل لها في العصر الحديث.
وفي سياق هذه الجهود المباركة، تم تشكيل لجنة ضمّت وزارة الداخلية والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية لجمع المدمنين وعلاجهم، فتم -في المرحلة الأولى- جمع أكثر من 15 ألف مدمن للمخدرات من مختلف مناطق أفغانستان، 5 آلاف منهم كانوا في العاصمة كابل، وإيداعهم مركز (آغوش) الصحي، وغيره من المراكز المختصة بعلاج الإدمان.
وأنشأت حكومة الإمارة الإسلامية عشرات المراكز الصحية لعلاج الإدمان في ولايات متفرقة من البلاد، أكبرها هو مركز (آغوش) الواقع في العاصمة كابل، بسعة 5 آلاف سرير، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية سابقة للناتو، وأفردت له الحكومة 75 مليار أفغاني لتغطية احتياجات العلاج والتأهيل.
ثم تتابعت بعد ذلك مراحل إلحاق المدمنين بالمراكز الصحية لتلقي العلاج اللازم للتعافي من المخدرات. إذ يتم علاجهم في هذه المراكز وإعادة تأهيلهم وبناء ما هدّمته سموم المخدرات في أرواحهم بالقرآن والدروس الدينية، وتقديم الدورات التعليمية لهم في مجالات مهنية وحرفية لتكون مصدراً لهم في اكتساب رزقهم وقوت يومهم بعد تعافيهم وانخراطهم في المجتمع من جديد.
واتجه المزارعون إلى زراعة القمح والقطن والتين وغيرها من المحاصيل الزراعية لتحل بديلاً عن زراعة الخشخاش والمواد المخدرة، مما رفع إنتاج هذه المحاصيل في العام الحالي. ونتيجة لذلك، تقترب أفغانستان اليوم من الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج القمح، إذ تمت زراعة 2.14 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بالقمح، وبلغت محاصيل القمح حوالي 5 ملايين طن متري هذا العام.
ولا يزال المجال الزراعي في أفغانستان بحاجة إلى توفير بدائل أكثر تنوعاً ووفرة، مما يُحتّم على دول المنطقة والعالم أن تؤدي مسؤوليتها في هذا الجانب من خلال التعاون مع حكومة الإمارة الإسلامية. فالخطوات الجادة والمثمرة التي خطتها الإمارة الإسلامية في مكافحة المخدرات لا يعود نفعها على أفغانستان فحسب، بل على العالم أجمع.
اليوم تتضاءل زراعة المخدرات في أفغانستان إلى الصفر، وغداً -بإذن الله- تضمحل مستويات الإدمان إلى الصفر، بالسواعد الصادقة والجهود المخلصة الدؤوبة.