مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: تحديات في الطريق إلى المجد

جاء في السيرة النبوية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بداية دعوته للناس بمكة إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك وعبادة الأصنام والأوثان؛ ناصبته قريش العداء ولم تدّخر جهداً في صده عن دعوته وثنيهِ عن المضي قُدُماً في طريقه؛ حتى أنهم قالوا: إنكم قد فرّغتم محمداً من همّه، فردوا عليه بناته، فاشغلوه بهن! فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له: فارق بنت محمد ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت، فأبى. ثم مشوا إلى عتبة وعتيبة ابني أبي لهب، فقالوا لهما مثل ما قالوا لأبي العاص، فوافقا وفارقا ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشاهد من هذه القصة، أن من يسلك سبيل الرشاد والهدى سيجد من يحاول أن يشوّش عليه ويشتّت جهوده وينصب في طريقه الحجارة والعقبات لصده عن الوصول إلى غايته وهدفه؛ إما حسداً وغيرة، أو رغبة في استمرار استعباده والوصاية عليه، أو طمعاً في نيل شيء من المتاع الزائف.

وهكذا الحال في أفغانستان بعد انتصارها وتحررها من الاحتلال الأمريكي الذي جثم على صدر أبنائها مدة عشرين عاماً، فيبدو أن هذا الانتصار العظيم المبهج لم يَرُق للبعض -لأسباب شتى- فحاولوا التشويش على الإمارة في رحلتها للرقي والنهوض بالبلاد؛ فمثلاً بعد مضي أكثر من عامين على تشكيل الحكومة الأفغانية لتصريف الأعمال في البلاد وإعادة إعمارها، تمتنع دول -وتُجبر أخرى على الامتناع- عن الاعتراف السياسي الرسمي بحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية! رغم وجود التمثيلات الدبلوماسية وعقد اللقاءات المختلفة بين الإمارة الإسلامية وهذه الدول.

ومن هذه التشويشات؛ ما أقدمت عليه الولايات المتّحدة بتجميد الأصول الأفغانية التابعة للبنك المركزي الأفغاني، والتصرف بجزء منها دون وجه حق! وبالتالي حرمان الشعب الأفغاني من حقه الأصيل في أمواله ومفاقمة معاناته التي كانت سبباً أساسياً فيها على مدى عشرين عاما من احتلالها وتخريبها لأرضه!

يُضاف إلى ذلك؛ إجبار مليونين ونصف من اللاجئين الأفغان في باكستان على الرحيل قسراً في مدة زمنية قصيرة، دون وجود خطط مسبقة أو تنسيق مع حكومة الإمارة الإسلامية، ما أدى إلى اكتظاظ معبري (تورخم) و(سبين بولدك) بين الحدود الأفغانية-الباكستانية بالأمواج البشرية العائدة، والتسبب بأزمة إنسانية حقيقية لهؤلاء المهاجرين، لا سيما مع دخول فصل الشتاء، وتزامنها تقريباً مع أزمة إنسانية أخرى يعاني منها أهالي ولاية هرات غرب البلاد جراء الزلزال الذي ضرب الولاية مخلفاً 4500 مابين شهيد وجريح.

ووضعت الإمارة الإسلامية كافة إمكاناتها لخدمة هؤلاء المهاجرين المبعدين قسراً؛ بإنشاء مخيمات إيواء مؤقتة قرب المعبرين، وتوفير الخدمات الطبية والأمنية والاتصالات، بالإضافة إلى توفير الغذاء والماء، وغيرها من الضرورات الإنسانية.

وللتخفيف من معاناة المتضررين من الزلزال الأخير الذي ضرب ولاية هرات، قامت الإمارة الإسلامية بإنشاء وحدات سكنية لجميع العائلات المتضررة تكتمل خلال شهر إن شاء الله. وللإطلاع على تفاصيل أكثر للجهود المبذولة خلال هاتين الأزمتين الإنسانيتين؛ يمكن للقارئ الكريم العودة لموقع (وكالة أنباء باختر) باللغة العربية.

 

وفي هذا السبيل أيضاً – سبيل تشتيت الإمارة عن هدفها في البناء والنهضة – تحضر الحملات الإعلامية المكثّفة التي تشنها وسائل الإعلام الغربية ومن سار في ركبها عن الافتراءات والادعاءات حول هضم حقوق المرأة في أفغانستان و”منعها” من العمل والتعليم!! حتى استماتوا للتصوير – دجلاً – أن إمارة أفغانستان الإسلامية و”منع المرأة من التعليم والعمل” شيئان متلازمان لا ينفكان!! وهذا تضليل وبهتان؛ إذ للإمارة الإسلامية خططها المدروسة لتوفير بيئة تعليمية نسائية نظيفة تماماً من الثقافة الغربية، ولا اختلاط فيها بين الجنسين؛ كما هو حال نُظُم التعليم المعمول بها في بعض الدول الإسلامية.

وأخيراً وليس آخراً، لا يفوتنا في هذا المضمار أن نُشير إلى أن بعض المؤسسات والمنظمات الإنسانية الأجنبية العاملة في أفغانستان قد تُتخذ وسيلة للضغط والابتزاز والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، بشكل هو أبعد ما يكون عن الغرض الأساسي الذي يُفترض أنها جاءت من أجله.

بلا شك أن إمارة أفغانستان الإسلامية ترحب بمنظمات العمل الإنساني والإغاثي ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن غير المرحب به أن تُتّخذ هذه المنظمات والمؤسسات أداة للضغط والابتزاز أو للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

 

يُقال أن الصعاب زينة النجاح، ونحن على يقين تام – بإذن الله – أن إمارة أفغانستان الإسلامية بسواعد أبنائها الأوفياء المخلصين سيتجاوزون هذه التحديات كما تجاوزوا ما مضى من صعاب وأزمات، وسيبنون من الحجارة المُلقاة في طريقهم سلماً للمجد والعزة، لتعود أفغانستان عازفة في سيمفونية الكون، بعد أن أجبرها الطُغاة ولصوص الأوطان على أن تكون مجرد مستمع لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى