الافتتاحية: تقليص العمليات الجهادية
إن إمارة أفغانستان الإسلامية تدرك الضرر والمعاناة التي تلاحق الشعب الأفغاني بسبب الاحتلال الأمريكي، ولذلك حاولت جاهدة بكل ما في وسعها لإنهائه، فواصلت المقاومة الجهادية المسلحة وكثّفت جهودها الدبلوماسية السياسية حتى أجبرت عدوها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وبعد عدة مراحل من المفاوضات الشاقة التي استغرقت أكثر من عام تم التوصل إلى إتفاق تاريخي بين الإمارة الإسلامية من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، ينص على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في غضون أربعة عشر شهرا.
إن هذا الإتفاق كان إنجازا مهما وانتصارا باهرا للشعب الأفغاني المسلم، حيث سيتخلّص بموجبه من الاحتلال الغاشم الذي نغص عليهم عيشهم وأقض مضاجعهم وارتكب في حقهم جرائم لا تغتفر.
إن مجاهدي إمارة أفغانستان الإسلامية ليسوا متهورين ولا مهووسين بالحروب ولا متعطشين لسفك الدماء، بل هم مقاتلون منضبطون، وقافون عند حدود الله، متحلّون بأعلى الصفات والأخلاق الحسنة، يراعون الآداب القتالية التي أسستها الشريعة الإسلامية المقدسة، كما يراعون المصالح والمفاسد وينظرون في مآلات الأمور وعواقبها.
ومن أجل ذلك قلّصت الإمارة الإسلامية عملياتها الجهادية بشكل كبير بعد التوقيع مباشرة، فلم تعلن عن أي عملية للربيع، وتجنّبت مهاجمة عواصم إقليمية، ولم تشنّ عمليات واسعة النطاق في مدن رئيسية.
كما ابتعدت عن الأعمال الاستفزازية التي تجلب الشر على الشعب الأفغاني المضطهد في هذه المرحلة الحساسة من انسحاب القوات الغربية، والهدف الأساسي للإمارة الإسلامية في هذه المرحلة هو السعي لإنهاء الاحتلال الجاثم على صدر الشعب الأفغاني.
إن تقليص العمليات ليس علامة على ضعف ووهن الإمارة الإسلامية، بل هو برهان واضح على قوتها ووحدة صفها.
كما أنه لا يعني أنهم تخلوا عن الجهاد في سبيل الله وأعرضوا عن المقاومة المسلحة، بل هذه مرحلة عابرة تجب مراعاتها لأجل تحقيق الأهداف الكبرى، ولهم أسوة حسنة في الصحابي الجليل حذيفة -رضي الله عنه- حيث قال: لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريحٌ شديدة ٌوقرٌّ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا رجلٌ يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة. فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال: ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة. فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال: ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة. فلم يجبه منا أحد. فقال: قم يا حذيفة. قال فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم. قال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم علي. فلما وليت من عنده، جعلت كأني أمشي في حمام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تذعرهم علي، ولو رميته لأصبته. ورجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته خبر القوم، وفرغت قررت، فألبسني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت، فلما أصبحت قال قم يا نومان. متفق عليه.
وفي المقابل زادت القوات الأفغانية هجماتها ضد المجاهدين والشعب الأفغاني، مما يضطر المجاهدون في بعض الأحيان إلى عمليات إنتقامية أو استباقية.
وإضافة إلى ذلك، شنّت إدارة كابول حملة إعلامية مسعورة لتشويه صورة المجاهدين، فتضخّم عملياتهم وتنشر أخبارا كاذبة ومزيفة عنهم، وتعلن أرقاما وهمية للخسائر، لإثارة حفيظة الغربيين وتهيئة الجوّ لتمديد أمد الصراع واستمرار الاحتلال.
كما يقوم ذراعها الاستخباراتي بشنّ عمليات وتفجيرات عشوائية على الأبرياء المدنيين عبر وكلائها الدواعش، ثم يوجّهون أصابع الاتهام نحو الإمارة الإسلامية، ويضعون العقبات في طريق السلام الحقيقي، ويسعرون نيران النزاعات الطائفية والعرقية.
ولكن هذه الجهود المشؤومة والأنشطة الخبيثة ستفشل سريعا، فالمحتلون في ارتحال، وبانتهاء الاحتلال يتحتم الاضمحلال. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.