الافتتاحية: تنضج الأمم بنار الآلام لا ببرد الراحة والسكون!
أدّت الحالة المطرية الغزيرة والمستمرّة التي شهدتها أفغانستان مؤخراً إلى تكوّن سيول وفيضانات شديدة وجارفة أتت على الأخضر واليابس في عدد من ولايات البلاد، لا سيما في ولايات: بغلان وهرات وغور وبدخشان ودايكندي وفارياب وبادغيس وتخار، وتسبّبت بخسائر فادحة للمواطنين في الأرواح والممتلكات، وألحقت الضرر بالعديد من الطرق الرئيسية؛ مما حال دون سرعة وصول فرق الإنقاذ إلى المتضرّرين، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وحتى ساعة كتابة هذا المقال؛ ذهب ضحية هذه الكارثة الأليمة ما لا يقل عن 365 شهيد، و1630 مصاب، كما تهدّم أكثر من 2000 منزل إما بشكل كامل أو جزئي، ونفق ما لا يقل عن 10000 رأس من الماشية، ودُمِّرت مساحات واسعة من الحقول الزراعية.
تشارك حكومة الإمارة الإسلامية المتضرّرين من هذه المأساة من أبناء شعبها آلامهم وأحزانهم وتقدم لهم خالص التعازي ووافر الدعاء بأن يتغمّد الله برحمته من تُوفي منهم وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل.
منذ اللحظات الأولى لوقوع هذه المأساة؛ استنفرت الإمارة الإسلامية كافة قواها وطوّعت إمكاناتها لإنقاذ المتضرّرين، فحضرت وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد ووزارة الصحة ووزارة مكافحة الكوارث الطبيعية والهلال الأحمر؛ بقوة في مشهد الإنقاذ والنجدة. حيث أدّت كل جهة من هذه الجهات مسؤوليتها المنوطة بها؛ إما بإنقاذ العالقين ونقلهم إلى المستشفيات وانتشال جثث المتوفين ثم دفنهم، أو بتقديم الرعاية الطبية اللازمة للمصابين، أو بتوفير الحاجات الضرورية من مأوى ومشرب وملبس وتوزيع المساعدات اللازمة الأخرى على العائلات والأسر، وتنظيم عمل الفرق التطوعيّة والمنظّمات الإغاثية الأخرى وتوفير التسهيلات لهم، وإلى غير ذلك من المهام الأساسية.
لقد بذلت الإمارة الإسلامية ما بوسعها من إمكانات متاحة لتقليل خسائر المواطنين جرّاء هذه المأساة الأليمة، والتخطيط لتفادي تكرارها مستقبلاً ما أمكن؛ من خلال إعداد الخطط لإنشاء السدود وبناء الجدران الإستنادية التي ستساهم -بإذن الله- في تفادي وقوع مثل هذه الكوارث الطبيعية مستقبلاً أو تقلل من شدّتها.
وهنا، في هذه الأزمة المفجعة، لا يمكننا أن نتجاهل أو نغض الطرف عن دور الاحتلال الأمريكي الجائر ذي العشرين عاماً الذي دمّر مفاصل الدولة وخرّب البنى التحتيّة للبلاد وحال دون نموّها وتطوّرها؛ في مفاقمة خسائر مواطنينا من الكوارث الطبيعية التي تواجهها أفغانستان بين وقت وآخر؛ إذ تولّت الإمارة الإسلامية حكم البلاد مع وجود مشاكل ومعضلات عمرها عقدين من الزمن خلقها هذا الاحتلال المندحر، تحتاج البلاد عشرات السنين للتعافي تماماً من سمومها وآثارها.
تتزامن هذه الفاجعة الأليمة مع استمرار إدارة الإمارة الإسلامية لأزمة المتضررين من الزلزال المدمّر الذي ضرب ولاية هرات قبل بضعة أشهر، ومع تواصل تدفق أمواج المهاجرين العائدين من باكستان وإيران، والذين تم إجلاؤهم قسراً من قبل حكومتي البلدين، وتستقبلهم الإمارة الإسلامية بترحاب وتوفر لهم التسهيلات والخدمات اللازمة لإعادة توطينهم بعد اضطرارهم للهجرة جراء الحروب والأزمات التي عانت منها البلاد في العقود الأربعة الأخيرة.
يُقال أن الإنسان ينضج بالألم، وتورثه وعورة الأيام مناعة وصلابة ذاتية؛ وكذلك الأمر بالنسبة للأمم والمجتمعات؛ إذ يكون النضج فيها -نتيجة الألم- جَمْعيّاً لا فردياً، وتكون المناعة والصلابة فيها عامة لا خاصة، فالأمم -بكُلّيتِها- تنضج بنار الآلام والمحن لا ببرد الراحة والسكون. وإن تعاقب الأزمات على الشعب الأفغاني لا يزيده إلا قوة ومتانة -بإذن الله- حتى يكون أهلاً لحمل أمانة عظيمة؛ بأن يكون قدوة للشعوب المسلمة في النهوض ببلادها والإعتماد على نفسها وطاقات أبنائها وسواعد شبابها، كما كان قدوة لها، قبل ذلك، في الجهاد والاستبسال والفداء.