الافتتاحية: خطبة عصماء على أعتاب “نورث قيت”
ثمّة حقيقة يتفق عليها المنصفون من المتابعين للساحة الأفغانية وهي أن إبداع المجاهدين الأفغان في قتال المحتلين وجهادهم؛ بحرٌ لا ضفاف له، بل قل إن شئت محيطٌ لا ساحل له. فكثيراً ما يبهرنا مجاهدو الإمارة الإسلامية بروعة تكتيكاتهم القتالية ضد العدو المحتل البغيض. كان آخر هذه الإبداعات الهجوم البطولي الذي شنّه أربعة من ليوث الإمارة الإسلامية على دار ضيافة للمحتلين الأجانب في العاصمة كابل، حيث كان المحتلّون الأجانب بمجمّع “نورث قيت” على موعد مهيب مع المجاهدين الشداد الذين إذا وعدوا أوفوا وإذا ضربوا أوجعوا. فمع تنفس منطقة (جسر تشرخي) بمدينة كابل نسائم فجر يوم الأثنين، غرة شهر أغسطس، تلفّع الأبطال الأربعة برداء إيمانهم، ومضوا متوكلين على الله نحو المجمّع الذي يضم 400 من الأجانب المحتلّين، لا ليحلّوا عليه ضيوفاً، فهم أصحاب الأرض وأهل البلاد، ولكن ليذكّروا الطغاة المعتدين بأن هذه الأرض أرضنا، وأنهم هم الدخلاء والدود الطفيلي المقتات على خيرات بلادهم ودماء إخوانهم.
افتتح البطل الأول خطبته العصماء عن فداء الدين والعرض والأرض، على أعتاب المجمّع الموبوء بالطفيليين الغربيين، بتفجير سيارته المفخخة التي أحالت جزءاً كبيراً من المبنى إلى أطلال. ثم أكمل إخوته الأبطال الثلاثة خطبته باقتحام المجمّع والإجهاز على من فيه من الطفيليات الأجنبية التي طالما شربت من دم الشعب الأفغاني المظلوم ولوّثت عقول أبنائه وبناته بمزابل الأفكار الغربية المنتنة.
استمرّت الخطبة الفدائية تلك قرابة الخمس ساعات. خمس ساعات والأبطال الفدائيين يخطبون ببلاغة انقطع نظيرها في جموع المحتلين ومرتزقتهم عن أن الدماء الزكية التي تهراق في سبيل صيانة الدين وحماية العرض وتحرير الأرض لا تضيع أبداً مهما طال ليل الظالمين وأبطأ فجر الصادقين. ولو كانت تضيع -حاشا لله- لقرّت عيون المحتلين ولرأينا أفغانستان الإسلام تتحول إلى ولاية رقم واحد وخمسين ضمن ولايات الشر الأمريكية.
انتهت العملية الفدائية بعد أن تمكّن البواسل، صُنّاع المجد والتاريخ، من قتل وإصابة كل من كان في مبنى المجمّع من المحتلّين، ثم قتل وإصابة جنود الاحتلال والجنود العملاء والشرطة العميلة الذين حضروا فيما بعد لانتشال جثث إخوانهم في ملة الإجرام. وبعد أن أدّى الفدائيون الأبرار واجبهم، واختتموا خطبتهم، ظفروا أخيراً بأمنيتهم الغالية التي أفنوا أعمارهم في طلبها والبحث عنها؛ وهي الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى نحسبهم والله حسيبهم.
وما كان هذا الهجوم إلا وفاءاً بالوعد الذي قطعه المجاهدون على أنفسهم بأن يُخرجوا المحتلين رغماً عن أنوفهم أمواتاً محمولين في توابيت، إن لم يتداركوا أنفسهم ويخرجوا أحياءاً على قدمين.
وكالعادة المعتادة للعدو الجبان؛ لم يعترف بسقوط قتلى أو حتى بوقوع جرحى في صفوفه! وكل ما اعترف به هو مقتل جندي عميل واحد! ربما لـ”رفع العتب” كما يُقال.
مبنى مدمّر عن بكرة أبيه، وحُطام متناثر هنا وهناك، وخمس ساعات من الاشتباكات، وقعت في حين غفلة من العدو المحتل، ولم يُقتل سوى جندي عميل واحد! يا لوقاحة الاحتلال وعملائه!
إن تفنيد مزاعم العدو بعدم وقوع قتلى وجرحى في صفوفه خلال هذه العملية البطولية لهو من توضيح الواضحات.
وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ | إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ |
سواء اعترف العدو أو لم يعترف، فحاله كحال الذي يُضرب فتنزف كلومه وتتكسّر عظامه وتتقطّع أعضاءه وتدمى مقلتيه وتتقرّح جراحه وهو يصرخ بصوت عالٍ: أنا بخير!!
لا بأس! استمر أيها العدو الغبي الأحمق بترديد أنك بخير، حتى تأتيك الضربة القاضية التي لن تبقي فيك ولن تذر على أيدي الجبال البشرية المتحرّكة الذين تحسب -غباءً- أنهم بسطاء أو سهلي المِراس. فإن تضاريس إباء المجاهدين في أفغانستان لا تختلف كثيراً عن تضاريس أرضهم، فالجباه الشمّاء والرؤوس المرتفعة التي لم تطأطئ أو تنحني لطاغية على مدى التاريخ هي إحدى انعكاسات الجغرافيا الجبلية على الروح البشرية التي تشبّعت إيماناً، فباتت تبذل وتضحي وتعطي في سبيل الله عز وجل.