
الافتتاحية: زادوا همجية وزدنا صمودًا
قبل ثمانية عشر عامًا، وتحديدًا في (7 أكتوبر 2001م) اندلعت شعلة الحرب الأمريكية العمياء داخل الأراضي الأفغانية بحجة مكافحة ما يسمّى بالإرهاب. بدأت حرب لا تفرق بين صغير وكبير، وبين صبي وعجوز، وبين رجل وامرأة، لا تفرق بين العسكريين والمدنيين الأبرياء، بدأت الحرب بين أبابيل “الإمارة الإسلامية” التي لا تملك غير أشياء تشبه الأسلحة نوعًا ما، وبين قوات الولايات المتحدة الأمريكية المدججة بالسلاح، بين دولة حديثة العهد عسكريا واقتصاديًا ودبلوماسيا، ودولة من أقوى الدول على مستوى العالم أجمع، بل بدأت الحرب بين شعب لا يملك لقمة عيشه، ولا يملك غداءه وعشاءه، ولا يملك ما يقيم صلبه ويستر عورته، وأنهكته الحرب السوفيتية والحروب الأهلية وبين أعتى الطغاة وأقوى جبابرة الأرض.
يومها بدأت الحرب تجتاح المدن والقرى والأرياف بسرعة فائقة، وفي غضون شهر واحد تقريبا انحازت الإمارة الإسلامية من المدن إلى الجبال والكهوف والصحاري.
منذ ذلك الوقت وأفغانستان تشهد الويلات تلو الويلات، وتتجرع الآلام تلو الآلام، وتعيش الأزمات تلو الأزمات. وهاهي الحرب فشلت في تحقيق نجاحها المتوقع والمطلوب، فقد عادت الإمارة الإسلامية وفرضت سيطرتها على معظم المناطق بحمد الله، ولم يتوقف يومًا صراعُ الإيمان ضد الكفر، نعم حصلت هناك تراجعات وجولات، وأهريقت دماء زكية، ولكن الإمارة الإسلامية صمدت ومضت إلى الأمام، ورايَتُها لا تزال ترفرف فوق كل بقعة من هذا التراب الطاهر بكل شموخ وعزة، ولم تستسلم رايتها لرياح اليأس والهزيمة أبدًا.
نعم بعد مضي ثمانية عشر عامًا، مازلنا على قيد الحياة، بل مازلنا على قيد الأمل، مازلنا على قيد الإيمان بالانتصار، على قيد الإيمان بأن الله معنا، على قيد الإيمان بأنّ المستقبل لنا وحدنا، نحن نعتقد بقوة أننا سنظفر وننتصر ونكسب هذه المعركة بإذن الله، ولن نشك في ذلك أبدًا. لا نعرف اليأس، ولا نعرف الكسل، ولا نعرف الكلل، ولا نعرف الهزيمة، ولا نعرف القعود، هكذا ترعرعنا، هكذا تربّينا، قد تعلمنا في أحضان أمهات مجاهدات أنه يجب أن نعيش لأجل ديننا، ونموت لأجل ديننا، قد تعملنا في المهد أنه من لم يمت لأجل دينه فقد مات، ولا يستحق أن يعيش على ظهر الأرض، بل بطن الأرض خير له من ظهرها.
كم تجرعنا الآلام، وكم ذقنا المرارات، وكم قاسينا المآسي، وكم عانينا من التهجير والتشريد والازدراء في المخيمات، وكم أريقت دماء أبطالنا، وكم تناثرت أشلاء شهدائنا، وكم سالت عبرات الثكالى، وكم تعالت زفرات اليتامى! قد حصل فعلا كل ذلك، ولكننا لم نستسلم لليأس، ولم نفقد الأمل، نحن على يقين بأن الباطل لن ينتصر على الحق أبدًا، ومن ظن أن الباطل ينتصر على الحق، فقد أساء الظن بالله. نعم قد يكون للباطل صولة، وقد يكون للحق جولة وتراجع وفشل، أما الانتصار فهو للحق دائما، وأما الهزيمة فهي للباطل دائمًا. هذا إيماننا، هذه عقيدتنا، هذا ظننا بربنا الذي نقاتل عن دينه. نحن معاشر المسلمين نعتبر الجهاد في سبيل الله فرصة ذهبية لنا، إنها فرصة، نستطيع أن ننال مكانة الاستشهاد وفضل الجهاد في سبيل الله من خلال هذه الفرصة، إذن سنغتنم هذه الفرصة.
مرت الأيام، تتلوها الشهور والأعوام، والاحتلال يزداد همجية ووحشية وعنفًا يومًا بعد يوم، بينما في المقابل، يزداد الشعب صبرًا وصمودًا وإباءً وفداءً يومًا بعد يوم. كلما يضغط الاحتلال على الشعب أكثر، كلما يزداد الشعب إيمانًا بنصر الله، وإصرارًا على قتال الأعداء. هذه طبيعة الشعب الأفغاني، الشعب الذي لا يبالي بالموت في سبيل إرساء الشريعة في البلاد وفي سبيل الوطن، الشعب الذي لا يُقهر تحت وطأة الظلم، ولا يخاف من الظلام مهما طال، الشعب الذي يؤمن بأن الفجر المشرق سينبثق، يؤمن بأن أشعة النور ستلوح في الأفق، يؤمن بأن بوارق الأمل ستطلع جلية، فتضيء الآفاق كما تضيء القلوب، الشعب الذي يؤمن بأن هذه السحابة التي ألقت عليه ظلالها الحالكة سحابةُ صيف عما قريب تتقشع، فلا يخاف من رعدها، ولا يهاب من برقها، يؤمن بأن النصر سوف يضمّه بين ذراعيه ضمّا، يؤمن بأنه عما قريب سيصل إلى برّ الأمان وينجو من هذه الأمواج العاتية.