الافتتاحية: سنعيش صقوراً محلقين ونموت أسوداً شامخين
لا يزال أسوَد البيت الأبيض (أوباما) في حال لا يُحسد عليها أبداً، فالسقوط في القعر السحيق الذي بدأه نظيره السابق (بوش) باحتلال أفغانستان، استمر فيه (أوباما) وأكمل مهمة المسير نحو السفول. يثبت هذا ما آلت إليه حالة القرارت المتناقضة والمتخبطة التي يتخذها أوباما تجاه استمرار احتلال جيش بلاده لأرض الأفغان، ولم يعُد من المستغرب أن تتغير هذه (القرارات) بتغير حالات الطقس ودرجات حرارة الجو! وليس هذا التخبّط والتردّد في القرارات إلا برهاناً ناصعاً للفشل السياسي الذي يمتاز به أوباما وإدراته.
آخر هذه التخبّطات ما نُقل مؤخراً عن مسؤول أمريكي بموافقة الرئيس المتخبّط على منح جنوده المحتلين حق التوسّع في استخدام القوة الجوية والمشاركة في المعارك إلى جانب ربائبهم من العملاء الأفغان.
والحق أن طائرات المحتلين لم تكُفّ يوماً عن قصف أبناء الشعب الأفغاني، وأن الجنود المحتلين لم يكفّوا عن المشاركة في المداهمات الليلية والمعارك القتالية -وعلى رأسها المعارك الملتهبة في ولاية هلمند-. يحصل هذا حتى بعد أن أعلن الرئيس الفاشل عن إنهاء “المهام القتالية” لجنوده المحتلين في عام 2014م.
فإذا علمنا هذا، حُق لنا أن نتساءل: مالهدف الحقيقي والفعلي إذاً من الإعلان عن هكذا قرار؟
إن إدارة أوباما وجنرالاته في أفغانستان يعون جيداً أن مجاهدي الشعب الأفغاني يوشكون على الانتهاء من مرحلة تحرير المديريات والأرياف والاقتراب من مرحلة تحرير الولايات والمدن الرئيسية، وخير دليل على هذا؛ سيطرة المجاهدين على ولاية قندوز العام المنصرم لعدة أيام قبل أن تتدخل طائرات الاحتلال وتشبع المدينة بالقصف الهستيري، مما اضطر المجاهدين للانسحاب من الولاية حفاظاً على أرواح الأهالي والمدنيين.
هذا السيناريو هو ما يرمي الرئيس الفاشل إلى تكراره في حال سيطر المجاهدون مرة أخرى على ولاية من الولايات الأفغانية. حتى يقصف المحتلون، بقلوب مطمئنّة، الولايات بمشافيها ومدارسها وعلى رؤوس أهلها، دون أن يُقال لهم: لِمَ تُقحمون أنفسكم في ميادين القتال بعد أن أعلنتم عن تسليم مسؤولية خوض المعارك كليّاً لعملائكم الأفغان؟
ونحن ههنا نسأل الرئيس المتخبّط:
هل بقي نوع من أنواع الطائرات الحربية أو المروحيّة أو المُسيّرة لم يستخدمها حتى الآن جيش بلاده في حربهم على أفغانستان؟
هل بقي في مستودعات السلاح الأمريكية نوع من أنواع الرصاص أو القنابل أو الصواريخ لم يجربه حتى الآن جنود بلاده على رؤوس أبناء الشعب الأفغاني؟
هل ظل هناك شكل من أشكال الموت لم يرتكبه جنود بلاده بحق الشعب الأفغاني؟ ألم يقتلوا الأفغان مرضى وجرحى وهم في المستشفيات كما فعلوا مؤخراً في مستشفى قندوز؟ ألم يقتلوهم أسرى ومعتقلين تحت التعذيب المتوحش؟ ألم يزهقوا أرواح صغارهم ونسائهم وشيوخهم بالطائرات المسيّرة؟
هل بقي شكل من أشكال التكتيك الحربي أو التخطيط العسكري لم يتخذه جنود بلاده في معاركهم أمام مجاهدي الشعب الأفغاني طيلة أعوام الاحتلال؟
مالجديد الذي سيضيفه هذا “التوسّع” في استخدام القوة الجوية ومشاركة الجنود المحتلين الأجانب في المعارك القتالية، على مشهد الساحة الأفغانية؟
هل اكتشفت إدارة الرئيس الفاشل حيلة لإخضاع الشعب الأفغاني لم تستخدمها أو تجرّبها على مدى خمسة عشر عاماً منذ احتلالهم لأرض الأفغان؟
إن الحقيقة المُسلّم بها والتي يعجز عقل الرئيس المتخبّط عن فهمها وإدراكها هي أن سياسة العصا الغليظة التي يعتمدها في التعامل مع الشعب الأفغاني أثبتت فشلها قبل خمسة عشر عاماً عندما استخدمها لأول مرة نظيره الأسبق (بوش)، ولازالت تثبت فشلها حتى الآن بكل جدارة.
إن أرواح الشعب الأفغاني عصيّة على التدجين والتطويع. وبغض الاحتلال الأمريكي الذي عربد في بلادهم وعاث فيها فساداً، يكاد يكون الركن السادس من أركان الإسلام! وكم ذا سمعنا عن عمليات بطولية قامت بها عجائز وشيوخ أفغان، فضلاً عن الشباب من عامة الشعب، بل حتى من الجنود الأحرار الشرفاء العاملين في الجيش الأفغاني. ولسان حال الأفغان نساءً ورجالاً، شباباً وشيباً، كباراً وصغاراً: سنعيش صقوراً محلقين ونموت أسوداً شامخين.
لقد صدقت الإمارة الإسلامية في نصحها للمحتلين بأن الحل الأوحد لخروجهم من القعر السحيق الذي أوقعوا أنفسهم فيه هو بانسحابهم الكامل دون قيد أو شرط من أرض الأفغان. وإلا فإن جذوة الجهاد وتاريخ الآباء والأجداد البطولي النضالي المشرق لا تزال تتلمظ وتضطرم في أرواح الأفغان وتدفع بهم دفعاً إلى ميادين مقارعة المحتلين الأجانب وتمزيقهم شر ممزق.