مقالات الأعداد السابقة

الافتتاحية: غنيمة المنتصر؛ حسرة المهزوم

يقول الله ﷿ في وصف حال الكافرين الذين يبذلون جميع ما في وسعهم من مال وقدرة وطاقة لكسر شوكة المؤمنين وقتالهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]. فمآل هذه الأموال المبذولة هو الضياع والخُسران، وأما مآل منفقيها فهو الحسرة والندامة والهزيمة في الدنيا، ثم نار السعير يوم القيامة.

وهذه الآية الكريمة هي أول ما يطرق باب الفكر عند سماع مطالبات الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب، المتكررة والموجّهة لحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية، بُغية استرجاع ما خلّفه جيش بلاده من آليات ومُعدّات عسكرية قبل فرارهم من أفغانستان.

لقد استخدم جيش الاحتلال الأمريكي وحلفاؤه، منذ عدوانهم العبثي على أفغانستان، كل ما جادت به ترسانتهم الحربية من أسلحة للقتل والتدمير والإبادة، حتى راح ضحية عدوانهم، الذي استمر أكثر من عشرين عاماً؛ أكثر من 300 ألف شهيد/مصاب من المدنيين، وتَشرَّد حوالي 6 ملايين مواطن أفغاني بنزوح داخلي أو لجوء خارجي، هذا عدا عن الخسائر المادية وغيرها. وبدلاً من أن تقدم أمريكا التعويضات للشعب الأفغاني الذي تضرر غاية الضرر جرّاء حرب جيشها الجائرة عليه؛ إذ برئيسها؛ ترامب، يُطلّ علينا ليستجدي من الإمارة الإسلامية إعادة ما تركه جيشه المهزوم في أفغانستان من معدّات عسكرية! ونحن نقولُ هذا فقط ليتضح مدى الصفاقة والعجرفة التي تشبّعت بها شخصية هذا الرئيس، صاحب “أم القنابل”، وإلا فإن الأضرار التي تكبّدها الشعب الأفغاني هي أشياءُ لا تُقدّر ولا تُعوّض ولا يمكن جبرُها، وإن أنفقت له أمريكا ومعها حلفاؤها غاية مُلكِهم.

 

توقيع اتفاقية “إحلال السلام في أفغانستان” بين الإمارة الإسلامية وأمريكا في 29 فبراير 2020م، والتي نصّت على خروج قوات الاحتلال من أفغانستان خلال إطار زمني محدّد، وتزامُنها مع استمرار عمليات المجاهدين البطولية على أرض الميدان وتواصل ضرباتهم ضد جيش الاحتلال؛ كل هذا أرغم المحتلين على الفرار من البلاد، مخلّفين وراءهم ما أنفقوه طيلة عقدين من الزمن لإسقاط حكومة الإمارة الإسلامية واستبدالها بحكومة علمانية تسمعُ وتطيعُ لهم وتأتمرُ بأمرهم!

أمرانِ جديرانِ بالذكر هنا؛ الأول: أن هذه المعدّات العسكرية المتروكة؛ غنائم حرب، غنِمها المجاهدون بسواعدهم المتينة ولهيب جهادهم المشتعل على مدى عقدين من الزمن. وقد يكون للبعض رأيٌ آخر فيرى أن هذه الآليات لم تكن ملكًا للجيش الأمريكي مباشرة، بل كانت جزءًا من المساعدات العسكرية المقدمة للجيش الأفغاني على مدى عقدين؛ وبالتالي هي مُلك للشعب الأفغاني.

أما الأمر الثاني، والحقيقة التي يتجاهلها خصوم الإمارة: هي أن جيش الاحتلال الأمريكي أعطب كل ما وصلت إليه يده من طائرات وآليات عسكرية قبل هروبه من البلاد، حتى لا تتمكن الإمارة الإسلامية من الانتفاع بها.

ولكن مهندسي وزارة الدفاع بإمارة أفغانستان الإسلامية -سَلِمَت أيامِنُهم-، بمهارتهم وحنكتهم وبراعتهم، يبهروننا يوماً بعد يوم بنجاحهم في إصلاح مئات الآليات العسكرية من الأنواع المختلفة، وإدخالها حيّز العمل ضمن الأسطول الحربي لوزارة الدفاع.

 

إن هذه المعدّات العسكرية التي يستجدي ترامب الإمارة الإسلامية لإعادتها، ليست صفقة تجارية ضمن صفقات التاجر الأمريكي، بل هي غنيمة المنتصر؛ الشعب الأفغاني، وستُقاتل بها الإمارة الإسلامية -بكل بسالة- كل من تسوّل له نفسهُ المساس بوحدة وأمن واستقرار أفغانستان وشعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى