
الافتتاحية: ماذا وراء الهجوم على الإمارة الإسلامية ورموزها؟
لا تكاد تخطئ عين المراقب، خلال الأيام القليلة الماضية، الهجمة الشرسة المنظّمة والمدعومة من بعض الجهات الخارجية ضد إمارة أفغانستان الإسلامية ونظام حكمها المُستمَد من النبع الرقراق للشريعة الإسلامية الشمّاء، وتزامن هذه الحملة مع طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق أمير المؤمنين، ورئيس المحكمة العليا، بتهم معلّبة وفضفاضة كزعم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتمييز ضد النساء في أفغانستان!!
أما الجهات التي تقود حملة التشويه والتشغيب على حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية، النافخة في نار الفتنة بين المسلمين، الباذلة غاية جهدها في شق صفّهم، وإعمال سكاكين الحقد في “الجسد الواحد” لتمزيقه وتقطيع أوصاله وصرف بعضه عن بعضه الآخر؛ فأطلقت حملتها المشبوهة باستنكار منع وزارة الإعلام والثقافة بالإمارة الإسلامية لنسخة مترجمة من كتابٍ للشيخ محمد بن عبدالوهاب ﵀ بحواشٍ وزيادات، رأت الوزارة أن فيها غلواً وإفراطاً، وليس لمخالفتها لمضمون الكتاب أو معارضتها لجوهره؛ فاتخذت إجراءً بمنعها، شأنها في ذلك شأن سائر وزارات الإعلام في بقية الدول، ومنها الدول الإسلامية التي قد تمنع كتباً لشخصيات إسلامية وعلماء مسلمين لأسباب واعتبارات داخلية تخصُها، وليس لمعارضتها لصميم الكتاب ومحتواه. لكن العجيب أن قرارات تلك الدول بمنع مؤلفات إسلامية لدعاة وعلماء مسلمين، تُقابل بالتفهّم وإيجاد الأعذار والمسوّغات والمبرّرات لها! ولكن ذات الأمر، عندما يتعلق بالإمارة الإسلامية، فإن أولئك الذين يتعاملون مع سائر المسلمين بعقلية “مشجع فريق كرة القدم”: من لم يشجّع فريقي، فهو خصمي؛ نجدهم يحوّلون الأمر إلى تخوين وطعن في عقيدة الإمارة الإسلامية وإخراجها عن كلمة “لا إله إلا الله” بوصمها بالقبورية والشرك -الذي هو أكبر الكبائر وأعظم الظلم- بغير بيّنة أو يقين سوى الفجور في الخلاف! وكأنهم بهذا الفعل -علِموا أم لم يعلَموا- يحصرون الإسلام ويحكِرونه في مؤلفات بعينها أو أشخاص بعينهم أو مدرسة بعينها!
فإذا لم يكن هذا غلواً فما هو الغلو إذاً؟! وإذا لم يكن هذا تكفيراً فما هو التكفير إذاً؟!
إن صرح الإمارة الإسلامية في أفغانستان ما قام إلا لأجل “لا إله إلا الله” وإعلائها فوق أي كلمة وأي اعتبار. وفي سبيل حماية جناب هذه الكلمة العظيمة والدفاع عنها؛ قدّم الشعب الأفغاني ماله ونفسه وفلذات أكباده لدحر أولئك الذين جاؤوا من كل أصقاع الدنيا بجيوشهم وترساناتهم العسكرية لتكون كلمتهم هي العليا!
ولو كان لإمارة أفغانستان الإسلامية مشكلة مع مفهوم توحيد الله بالعبادة، لما اكتظّت مكتبات أفغانستان بكتب العقيدة الإسلامية، مثل: متن العقيدة الطحاوية، والحصون الحميدية، وشرح الفقه الأكبر، وشرح العقائد النسفية، وغيرها. كما أن أفغانستان -بفضل الله- زاخرة بالعلماء الأكارم وبكتب العقيدة وشروح التوحيد -الذي هو حق الله ﷿ على العباد- التي تخاطب العامة على قدر عقولهم، وباللغة التي يفقهونها، وبفهم الحالة المجتمعية التي نشأوا فيها والظروف والبيئة المحيطة بهم؛ ولذلك هم الأجدر والأقدر على إصلاح شعبهم وتصحيح معتقداته وتصويب طريقه؛ “فأهل مكة أدرى بشِعَابِها”، كما يُقال في الأمثال.
إن إلصاق مزاعم الشرك والقبورية، عنوة، بحكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان، بل والتأصيل لتلك الافتراءات بغير علم يقيني وبجهل بالواقع؛ هو الحبر الأحمر الذي يرسم به “داعش” خارطة تكفيره وتفجيره واستحلاله للدماء المعصومة في أفغانستان! والنار التي يهتدي بشُواظِها للولوغ في دماء المسلمين والغدر بهم وإزهاق أرواحهم.
إن ما ترفضه إمارة أفغانستان الإسلامية هو أن يُستغل اسم الإسلام العظيم وتوحيد الله ﷿، لغايات سياسية وحزبية وغيرها، وأن يتم استخدامهما كأدوات للتشكيك والطعن في عقائد المسلمين أو تشويه صورتهم أو محاولة تضييع ثمرة جهادهم أو التحريش بين المسلمين ونثر بذور الفتنة والشقاق بينهم!
وفي سياق الهجوم على الإمارة الإسلامية ورموزها؛ أعلن المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؛ كريم خان، اعتزامه تقديم طلب لإصدار مذكرتي اعتقال بحق أمير المؤمنين؛ الشيخ هبة الله آخوند زاده، ورئيس المحكمة العليا؛ الشيخ عبد الحكيم حقاني، وقادة آخرين -في المستقبل-، بمزاعم واتهامات باطلة جملة وتفصيلاً كاضطهاد النساء وارتكاب جرائم ضد الإنسانية!!
ولعل العين الانتقائية والمتحيّزة دوماً ضد الإسلام ومن يحمل لواءه، لصالح القوى الدولية الدموية؛ جعلت مدّعي الجنائية يعمى عن كل ما ارتكبه الاحتلال الأمريكي وحلفاؤه من جرائم وانتهاكات ومظالم بحق الشعب الأفغاني طيلة عقدين من الزمن! هذه العين المتحيّزه التي لم تُبصر استخدام المحتلين الأسلحة المحرّمة دولياً، مثل “أم القنابل” و”الفسفور الأبيض” وغيرها، على رؤوس المدنيين الأفغان بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ! ولم تُبصر ارتكابهم القتل الجماعي بقصف المستشفيات والمدارس وتجمعات العزاء والأعراس، والموثّقة صوتاً وصورة! ولم تُبصر اللصوصية الدولية التي تُمارسها الولايات المتحدة باغتصابها لسبعة مليارات دولار من أموال البنك المركزي الأفغاني -بغير حق- كانت مودعة في مؤسسات مالية أمريكية قبل خروج قوات الاحتلال من أفغانستان! ولم تُبصر أعمال البلطجة الأمريكية لحصار الشعب الأفغاني بفرض القيود السياسية على حكومته الوليدة التي انبثقت من روحه؛ وبالتالي حرمان شعب كامل من أبسط حقوقه في الحياة الطبيعية الكريمة، وحرمانه من تحقق مشاريع تنموية تخدمه في مجالات حياته التعليمية والاقتصادية والصحية التي كان لها أن تتحقق لولا هذه القيود الخانقة الظالمة!
عن كل ذلك عَمِيَت عين مدّعي المحكمة الجنائية الدولية، لكنها أبصرت بشكل عميق، حدّ التحديق، نساء أفغانستان المسلمات المتلفّعات بالحشمة والعفاف!
وفي الحقيقة، إن تلويح مدّعي الجنائية بإصدار أمر لاعتقال قادة الإمارة الإسلامية، غايته الأولى والأخيرة هي التماهي مع الموقف الأمريكي الرامي إلى التضييق السياسي على الإمارة الإسلامية وكبح تفاعلها الدبلوماسي الناجح وتحركاتها المثمرة في التعامل مع دول العالم، بما فيها الدول الإسلامية والعربية.
إن العقلية الغربية المتسلّطة، كثيراً ما ترمي غيرها ممن لا يُسبّح بحمدها ولا يدور في فلكها، بتهم معبّأة في قوالب جاهزة، مثل: الإرهاب، التطرف، هضم حقوق المرأة.. الخ، بينما لا تنظر هي في المرآة عن ما تمارسه من عدوان على شعوب العالم، بفرض معتقداتها وأفكارها عليهم ومصادرة حقوقهم وسلب إرادتهم في تقرير نظام الحياة الخاص بهم الذي يؤمنون به ويعتقدونه، ولو كان فَرْضاً بالقهر وأطنان القذائف والقنابل إن لزِم الأمر، أو بالمؤسسات والقوانين الدولية التي تبتكرها لهذا الغرض!
لقد بذل الشعب الأفغاني تضحيات ضخمة تعجز عن حمل مثلها الجبال، وقدم مئات الآلاف من الشهداء الأنقياء الأتقياء من أبنائه وفلذات أكباده؛ في سبيل تحكيم شريعة الله الغرّاء وإرساء أركان نظام الحكم الإسلامي على أرضه. وإنه لقادر -بعون الله ﷿- على بذل مثل ما مضى من تضحيات وأكثر؛ للحفاظ على ثمرة جهاده وقطع أيدي الشر التي قد يزيّن لها إبليس العبث بهذه الثمرة الطيبة الغالية.