
الافتتاحية: مبادرة فهل من مجيب؟
ضجت وسائل الإعلام الغربية بالرسالة المفتوحة التي أرسلتها إمارة أفغانستان الإسلامية إلى الشعب الأمريكي وأعضاء الكونغرس.
تتضمن الرسالة جانبا من معاناة الشعب الأفغاني المضطهد الذي يعاني من الحروب التي أضرمت نيرانها أمريكا في بلادهم، ومجموعة من النقاط التي تمثل حلولا واقعية لإنهاء أزمة أفغانستان، وتحقيق السلام وإرساء الأمن والاستقرار فيها.
ووفقًا لمسؤول غربي غير مخول له بالكلام علنًا، قال: “حتى إذا تجاهلها واضعو السياسات، فإن رسالة طالبان تظهر تطورًا مؤثرًا في دعايتهم”. مضيفًا: “إنني أكره أن أقول ذلك، ولكنهم بدأوا بتوجيه ضربات موجعة ومؤثرة، وذلك ببساطة، من خلال قولهم الحقيقة”.
نعم، طالبان توجه ضربات موجعة للإدارة الأمريكية بسردها لحقيقة الوضع في أفغانستان التي تحاول الولايات المتحدة إخفاءها مستغفلين شعبهم ومستخفين بعقولهم ومخفين عنهم الحقائق المريرة التي تجري على أرض الواقع.
فلقد جلب الاحتلال الأمريكي على الشعب الأفغاني المضطهد من الويلات والمصائب ما يشيب لهوله الولدان؛ فالشعب الأفغاني يئن تحت وطأة الاحتلال، والمخدرات تزدهر تحت سلطان الاحتلال، والنساء يغتصبن وتنتهك أعراضهن تحت ديموقراطية الاحتلال، والأطفال يتضورون جوعا تحت مساعدات الاحتلال، وعمت الفوضى وساد الفساد وانتشرت الحروب وتزعزع الاستقرار تحت سلام الاحتلال، وتم تسليح المليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية تحت رعاية الاحتلال، والمدنيون العزل يقتلون وتقصف مساكنهم وتدمر منازلهم من قبل طائرات الاحتلال.
ويرى المحللون أن إرسال الرسالة المفتوحة إلى الشعب الأمريكي خطوة مبتكرة من الإمارة الإسلامية، فقد أدت مسؤوليتها بصدق وأمانة تامة، حيث حاولت إيصال الحقائق الميدانية المريرة التي يحاول المسؤولون الأمريكيون إخفاءها عن شعبهم، وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر.
إن أمريكا داست بأقدامها كل القوانين والقرارات واﻹتفاقات الدولية الصادرة عن اﻷمم المتحدة وانتهكت كل الضوابط وأخلاقيات الحرب في أفغانستان.
لقد أصابت الجنرالات الأمريكيين -بسبب الحرب الاستنزافية في أفغانستان- أعراض هيستيرية وبلغوا قمة اليأس والجنون، فهؤلاء لايحلمون إلا بالانتصار المستحيل، وبممارسة الوحشة والهمجية، فهم الذين يقصفون المسلحين البسيطيين الذين لا يملكون سوى الأسلحة التقليدية ويمطرون عليهم قنابل من طائرات 52 وتستخدم لمواجهتهم أسلحة الدمار الشامل، فالغارات الجوية لا تميز بين العدو والصديق، وتحرق الأخضر واليابس، وتلحق الخسائر بالأبرياء المدنيين.
إن العقلية الحربية والنفسية العسكرية التي تشكلت لدى قادتكم الذين لا يؤمنون بالحلول التفاوضية ستهلككم كما أهلكت من كان قبلكم من الإنجليز والسوفييت.
إن انتصاركم في معركة أفغانستان مستحيل، فأفغانستان مقبرة للطغاة المحتلين، وهذا ما شهد به التاريخ، فلن تغيروا مجرى التاريخ ولن تناطحوا المريخ، سترحلون أذلاء خائبين تجرون أذيال الخزي والعار.
وصرحت الإمارة الإسلامية في رسالتها بأنهم لم يملوا عن الجهاد ولن يملوا عن الكفاح والنضال، وأكدت بكل صراحة بأن سياسة الحرب والقوة لن تجديكم نفعاً؛ فالأفغان لن يستسلموا أمام قوتكم ولقد جربتم صمودهم وصبرهم وجلدهم عقودا من الزمن، ولو استمرت سياسة استخدام القوة لمدة مائة عام أخرى، فستكون النتيجة هي نفسها كما لاحظتم خلال الأشهر الستة الماضية منذ بدء استراتيجية ترامب الجديدة.
لقد دلت الرسالة على الأمور التي يمكن لأعضاء الكونغرس والشعب الأمريكي من اتخاذ إجراءات كفيلة تجاهها تساهم في حل يكون في مصلحة الشعبين الأفغاني والأمريكي كليهما، وبطريق يحفظ لكم ماء الوجه.
ووفقا لمحللين سياسيين إن هذه الرسالة بمثابة اللبنة الأولى لتحقيق السلام وإرساء الأمن في أفغانستان، ومبادرة جيدة لإنهاء الحرب في أفغانستان، ويجب على الشعب الأمريكي أن ينتهز الفرصة، وعلى العقلاء منهم أن يدركوا خطورة الأمر ويمسكوا بيد حكومتهم المجرمة وأن يسعوا لاحتواء أزمة أفغانستان، والضغط عليهم ليبادروا بإنهاء احتلال أفغانستان.
إن إرسال هذه الرسالة في هذا الوقت المناسب يدل على عمق وعي طالبان وذكاءهم السياسي، فالوقت يطابق هزيمة ورحيل القوات السوفيتية عن أفغانستان، فطالبان تريد إيصال رسالة لواشنطن في هذا الوقت المحدد بأن إصراركم على مقارعة الأفغان سيؤدي إلى هزيمتكم وسقوط هيمنتكم كما أدت معاندة الروس إلى سقوط التحالف السوفياتي وانهياره، وإن أفغانستان ستصبح “مقبرة أخرى” للولايات المتحدة إن لم تسحب قواتها.