الافتتاحية: هل ينشد الاحتلال سلاماً أم استسلاماً؟
إن إحدى النعم التي امتن الله تعالى بها على الإمارة الإسلامية، والتي تفرّدت بها عن سائر الحركات الإسلامية التحريرية في العالم الإسلامي؛ هي وجود جهازين عسكري وسياسي حكيمين ومتيقّظين، ُيكمَل أحدهما الآخر، فإذا انطلقت رصاصة الأول، باركتها خطب الثاني. وهذا -بالتالي- يُعد نقمة على الولايات المتحدة وحلفائها الدمويّين الذين يحتلّون أفغانستان منذ أكثر من 14 عاماً، إذ أن ما فشلوا في تحقيقه على منابر الأسنّة والرماح على مدى عقد ونصف من الزمان، يحاولون الآن تحقيقه على منابر السياسة.
لقد تداولت وسائل الإعلام مؤخراً، شائعات مغلوطة حول مشاركة الإمارة الإسلامية في المباحثات الرُباعية التي ضمت كل من الصين والولايات المتحدة وحكومة كابل وباكستان. وأصدرت الإمارة الإسلامية بياناً تنفي فيه مشاركتها في المباحثات لعدة أسباب أوضحتها في البيان المنشور على موقعها الرسمي “صوت الجهاد”. ونلخص فيما يلي الأسباب الواردة في البيان:
– أن الذي يمثل الإمارة الإسلامية على الصعيد السياسي هو مكتبها السياسي في قطر فقط. وقد أكّدت الإمارة مراراً وتكراراً على هذه النقطة في بيانات ورسائل وكلمات عديدة وفي مناسبات مختلفة. بينما لم توجّه أي دعوة للمكتب السياسي -الجهة الوحيدة المخوّلة من قبل الإمارة الإسلامية لتمثيلها سياسياً- للمشاركة في المباحثات الرباعية آنفة الذكر.
– الاستفزاز الذي يتعمّده الاحتلال الهمجي وحكومته العميلة من خلال قصف الأبرياء بالطائرات، واستهدافهم بالقذائف والمدفعية، والتسبب بتشريد آلاف العائلات في الشتاء القارص، وإذكاء نار الفتنة العرقية في مختلف ولايات البلاد -لا سيّما الولايات الشمالية-، والاستمرار في المداهمات الليلية وترويع الأهالي واعتقال أبنائهم، وإرسال الاحتلال لقوات جديدة للمشاركة في المعارك الساخنة التي تدور رحاها في ولاية هلمند بين المجاهدين وجنود الحكومة العميلة. كل ذلك ازدادت وتيرته وتصاعدت حدّته في الآونة الأخير بشكل لا تخطئه عين المراقب للأوضاع في أفغانستان.
– عدم الاستجابة لمطالب الإمارة الإسلامية، المشروعة، والعادلة، كخطوة جدّية لتحويل كلام المباحثات الميّت إلى خطوات عملية حيّة. وتتلخّص مطالب الإمارة في: إنهاء احتلال أفغانستان، وإزالة ما يُسمى بالقوائم السوداء التي تضم قادة الشعب الأفغاني المجاهد ضد الاحتلال السافر، وإطلاق سراح المعتقلين الذين اعتقلوا -بدون وجه حق- بسبب صلتهم بطريقة أو بأخرى بنضال الشعب الأفغاني ضد المحتلين الغزاة. إن كل تلك المطالب حق من حقوق الشعب الأفغاني، لا فضل ولا منّة لأحد في تلبيتها، وهل يتفضل الغاصب في إعادة حق المغصوب؟
هل حقاً يبحث الاحتلال الأمريكي وحكومته عن السلام في الأثناء التي يمطرون فيها رؤوس الأفغان بالصواريخ، ويعتقلون أبناءهم ويعذّبونهم، ويُسوّون بيوتهم بالأرض، ويقصفون المستشفيات ويجهزون على الجرحى والمصابين، ويدعمون مليشيات “الأربكي”؟ ما شكل السلام الذي يبحث عنه هؤلاء بالضبط؟ هل يبحثون سلام يتحقق للشعب الأفغني المسلم أم عن استسلام لمطامعهم وأهدافهم الاستعمارية؟
إن الذي تريد أن تقوله الإمارة الإسلامية للعالم؛ أن يدها ممدودة للسلام الحقيقي الذي يُخلص البلاد من المآسي التي تسبب فيها الاحتلال، السلام الذي يُعيد للبلاد الأمن والأمان ويحفظ أنفس الناس وأموالهم وأعراضهم، لا السلام الأمريكي المشوّه الهزيل الذي يقتات على سفك دماء المستضعفين واحتلال بلادهم ونهب خيراتهم وتخريب أوطانهم.
إنما يتحقق السلام الحقيقي بخروج آخر جندي محتل من أرض الأفغان، وبتطهير أرض البلاد من قواعد الاحتلال وسمائها من طائراته، وبالكف عن التدخل في شؤن البلاد الداخلية، وترك الشعب الأفغاني يستظل بظل حكومته الإسلامية التي غزاها الاحتلال الأمريكي-ظلماً وعدواناً- لإسقاطها قبل 14 عاماً، والذي يجتمع اليوم -راغمة معاطسه- لإقناعها بالتفاوض معه وترك الجهاد ضده والقبول بتسوية حسب رؤاه الاستعمارية. الأمر الذي يتنافى تماماً مع مبادئ الإمارة الإسلامية، والذي لا يعدو كونه حلماً في رأس أمريكي محتل، تقطعه أصوات رصاص الأباة وصيحات تكبيراتهم في ميادين المعارك.