الاقتصاد الأفغاني في نمو مستمر
حافظ منصور
بعدما سيطرت الإمارة الإسلامية على كامل أراضي أفغانستان الحبيبة، تمثّلت أمام مجاهدي الإمارة حقيقة أنّ الحكومة العميلة السابقة كانت تتكئ على المساعدات الأجنبية، وعلى مدى العقدين الماضيين، أصبح الاقتصاد الأفغاني يعتمد على مليارات الدولارات من المساعدات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية. وقد كانت الحكومة العميلة آنذاك تغطي جميع نفقاتها الأساسية من الأموال الخارجية، ولم يكن ثمّة موارد أو جهود ذاتية تعتمد عليها. ولهذا السبب واجه المجاهدون -بعد السيطرة- تحديّات اقتصادية جمّة، إلا أنهم لم ييئسوا ولم يتواكلوا، بل شمّروا عن ساعد الجدّ والاجتهاد، وبذلوا مافي وسعهم، حتى مضى العامان الماضيان وقد أسسوا الميزانية الحكومية من عوائد الحكومة الدّاخلية.
وبما أنّ أفغانستان تمتلك ثروة معدنية واحتياطيات هائلة من الموارد الهيدروكربونية غير المستغلة مثل الليثيوم، توجهت الأنظار نحوها، وتم تهيئة الأرضية لعقد الاتفاقيات التجارية رفيعة المستوى بين حكومة الإمارة ومسؤولي الشركات الكبرى من البلدان الأخرى.
على سبيل المثال، في 5 يناير 2023، وقّع وزير المعادن والنفط الشيخ شهاب الدين دلاور وشركة النفط والغاز الصينية الآسيوية الوسطى (سينوبك) اتفاقية لتطوير حقول النفط والغاز في شمال أفغانستان. وبموجب هذا الاتفاق، حصلت الشركة الصينية على امتياز لمدة 25 عامًا للتنقيب في ثلاثة مناطق هي (كشغري) و(بزرخمي) و(زمرد سي) الواقعة على مساحة تزيد عن 5000 كم مربع في المقاطعات الشمالية من أفغانستان.
وتعهدت الشركة الصينية باستثمار ما يصل إلى 540 مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى وخلق 3000 وظيفة محلية. في الوقت نفسه، بلغت رسوم الامتياز لأفغانستان حوالي 20٪، ووفقًا لتقارير قد ترتفع إلى 75٪. في أبريل 2023.
واقترحت شركة صينية أخرى (غوتشين) استثمار 10 مليارات دولار في استكشاف واستخراج الليثيوم. تضمن الاقتراح أمورًا أخرى، مثل: تكرير خام المعدن داخل البلاد، وكذلك تنفيذ مجموعة واسعة من مشاريع البنية التحتية، مثل: بناء السدود المائية، والكهرباء، والطرق، وحتى بناء نفق سالانج الثاني الذي يمكن أن يوفر حوالي 120,000 وظيفة.
وفي مايو، أبلغ السفير الصيني المسؤولين في الإمارة الإسلامية بأن بكين ستعجل بالعمليات التمهيدية لمنجم النحاس عينك.
الجدير بالذكر أنه في عام 2008، كان قد مُنح امتياز استغلال المنجم لمدة 30 عامًا إلى اتحاد شركات صينية بناءً على مشروع بقيمة 3 مليارات دولار، لكنه لم ينفذ بسبب الحرب في أفغانستان آنذاك ولأسباب أخرى. واليوم بعد تحرير البلاد وطرد الاحتلال وسيطرة الإمارة الإسلامية في 2021، طلب مسؤولوا الإمارة من الاتحاد استئناف عمله.
وفي مايو 2023، في خطوة إيجابية أخرى للعلاقات التجارية الصينية الأفغانية، استأنف كلا البلدين رحلات الطيران التجارية المباشرة من خلال شركة الطيران الأفغانية (أريانا).
وبعد ذلك في مايو أيضًا، أُعيد فتح الممر البري لنقل البضائع من الصين إلى أفغانستان.
وفي الأسابيع الثلاثة الأولى من يونيو، عُقدت مزيد من الاجتماعات بين مسؤولي إمارة أفغانستان الإسلامية والسفير الصيني في كابول والمستثمرين الصينيين. ووفقًا للتقارير، تناولت هذه الاجتماعات موارد أفغانستان بما في ذلك الرصاص والزنك والغاز والليثيوم والتالك.
وفي ديسمبر 2022، أعلنت شركة الكهرباء الأفغانية (برشنا) أن المستثمرين الصينيين من المحتمل أن يستثمروا في توليد 500 ميجاوات من الكهرباء باستخدام وقود الفحم. كما ذُكر في تقرير آخر أن غرفة التجارة الصينية اقترحت أنه يمكنها تنفيذ نظام توليد الكهرباء من الفحم في جميع مقاطعات أفغانستان.
كما عرضت شركة هواوي الصينية في 15 أغسطس 2023، على مسؤولي الإمارة نشر نظام متطور من كاميرات المراقبة في جميع أنحاء أفغانستان. وعُقد اجتماع بين ممثلي هواوي ونائب وزير الداخلية عبد الله مختار في كابول بهذا الخصوص.
وحتى عام 2018، كانت أفغانستان تحتل المرتبة 62 عالميًا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، والمرتبة 99 عالميًا من حيث احتياطيات النفط، ولم تكن بارزة في هذا المجال. وفي عام 2010 قُدّرت القيمة الإجمالية للاحتياطيات المعدنية والهيدروكربونية في أفغانستان بأنها تزيد عن تريليون دولار. وفي نفس العام، ذكرت وسائل الإعلام أن احتياطيات الليثيوم في أفغانستان ضخمة إلى درجة أنها يمكن أن تحول هذا البلد إلى (المملكة العربية السعودية لليثيوم).
لا شكّ بأنّ الاقتصاد الأفغاني سينمو وينتعش في أقصر وقتٍ ممكن، بعقد هذه الاتفاقيات التجارية الضخمة مع الدول الصناعية العملاقة، التي تنقل خبرتها وتجاربها إلى أفغانستان.