التاريخ يعيد نفسه
أبويحيى البلوشي
أرسل سعد قِبل القادسیة ربعي بن عامر رسولا إلی رستم -قائد الجیوش الفارسیة وأمیرهم- فدخل علیه وقد زینوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي، وأظهر الیواقیت واللآلئ الثمینة والزینة العظیمة، وعلیه تاجه وغیر ذلك من الأمتعة الثمینة، وقد جلس علی سریر من ذهب، ودخل ربعي بثیاب صفیقة وسیف وترس وفرس قصیرة، ولم یزل راكبها حتی داس بها علی طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعلیه سلاحه ودرعه وبیضته علی رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له. فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها.
التاريخ یعید نفسه ولو بعد مدة طویلة، یعود التاریخ ویتعجب منه من لا یتذكره ومن لا یعتبر منه، وتطیر أعصاب من لا یأبه بتجربة الأقوام عبره.
الیوم عاد التاریخ بعد أكثر من أربعة عشر قرنا، وعاد مَن یفعل ما فعله الصحابي الجلیل ربعي بن عامر في مجلس رستم، أعظم قائد الفرس في زمنه، ولكن هل تدرون من أعاد هذا التاریخ وأعاد مجده ومجد الأمة الإسلامیة في مجلس المتغطرسین؟
أتظنون أنه من سلالة ربعي بن عامر أو من أولاد خالد نسبا أو صندید من صنادید العرب أو حاكم من بني العباس أو أمیر لبلد عربي من أحفاد حمزة بن عبدالمطلب؟
لا والله! لیس سیدا من سلالة رسول الله صلی الله علیه وسلم، ولا عربیا یتكلم اللغة العربیة ویتصل بشعبها.
لقد شغل العربَ التطبیع والخیانة والعیش الرغيد والترف والخوض في الشهوات والبعد عن المبادئ والإعراض عن الجهاد وموالاة النصاری والیهود. ولكنه رجل من أولاد ربعي بن عامر ولكن لا نسبا، بل عملا واتباعا له في شجاعته وحماسته.
إنه رجل من بین جبال هندوكش، من أرض العزة والإباء، من عرین الأسود والأشاوس، من الصف الأول للحرب ضد أمریكا والمحتلین؛ إنه مسلم أفغاني مجاهد، قضی أكثر من عشرین سنة في الحروب ضد الباطل.
إنه عالم من المتعلقین بعز بن عبدالسلام روحا، الذي أبی أن یُقبِّل جبین الملك ویده وقال: یاقوم! أنا في واد وأنتم في واد.
ولله در شكیب أرسلان عندما یقول: لعمري لو لم یبق للإسلام في الدنیا عِرق ینبض لرأیت عرقه بین سكان جبال الهملایا والهندوكوش نابضا وعزمه هناك وامضا. فهؤلاء القوم ماتركوا الجهاد بعد أن ترك العرب.
أمس في حفل للوفد المفاوض من جانب الإمارة الإسلامیة عندما قام الجمیع وفقا للأعراف الدولیة، كان المجاهد القاضي عبدالحكیم؛ ربعي زمانه وعِز عصره، قاعداً مخالفا لجمیع هذه الأعراف مع حضور أعظم وزیر خارجية في العالم؛ مایك بومبيو، وأحیی سنة الصحابي الجلیل ربعي بن عامر عندما لم یعمل بأي عرف دولي في حفل رستم، وكان یقول بلسان حاله: یا قوم أنتم في واد وأنا في واد.
لقد شغله سلطان ربه عن العباد مهما كانوا أقویاء فالله أقوی منهم وأقهر، ومهما خاف الناس منهم، فالله أحق أن یخشی.
لقد علت همته وكرامته، وعظمت أهدافه ومبادئه أمام أعینه، فهان علیه هذا الوزیر مع فخفخته وسلطانه، ولم ير سطوته وجلاله الظاهري، فأقعدته علی الكرسي عقيدته العظیمة.
لقد أعلن الشیخ القاضي عبدالحكیم بقعوده أن هذا العز الذي حصل لهم، من ثمرة جهودهم وتضحیاتهم وجهادهم الطویل ضد أكبر دولة وأقواها في العالم؛ ضد أمریكا وحلفائها من الحلف الصلیبي الشیطاني العالم، وأنهم انتصروا في هذه الحرب مع عَددهم القلیل وعُدتهم الضئیلة، مع زِيِّهم الزهید وسیفهم البالي.
وكم من فئة قلیلة غلبت فئة كثیرة بإذن الله، فقد أراقوا لحصول هذا العز أنهارا من دمائهم، وضحَّوا في هذه البلاد بجبال من أجسادهم، فوفی الله بوعده وسيمكنهم ربهم بعد أن أقاموا الصلاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وجاهدوا في سبیله.
ولتعلم الشعوب المسلمة المظلومة في العالم أن من نصر الله فسینصره الله، وأن من جاهد سیرفع الله عنه الظلم ویمكنه في الأرض، وأن الأرض یرثها عباد الله الصالحون، ووعد الله الذین آمنوا وعملوا الصالحات لیستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذین من قبلهم، ولیمكنن لهم دینهم الذي ارتضی لهم ولیبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، وكان وعد الله مفعولا.