مقالات الأعداد السابقة

التحرش الجنسي بالمرأة في الإدارات الأفغانیة

الکاتب: رضوان الکابلي

 

إن التحرش الجنسي بالمرأة ظاهرة غیر إنسانیة مستوردة من الحضارة الغربیة. وجمیع العاملات في البلاد التي تبنت النظام الغربي واتبعت حضارته، تعاني من هذه المشکلة. وإنها عار علی جبین الحضارة الغربیة التي تدعي حمایة حقوق المرأة وتربیة الشعب في ظلال القوانین الإلحادیة.

وکما أشرنا، فإن التحرش بالمرأة أزمة اکتسحت العالم في ظل غیبوبة النظام الإسلامي الطاهر، الذي یعتني بحقوق المرأة ویربي أفراده تربیة إیمانیة، ویعوّدهم علی غض البصر وحفظ الجوارح من أذى الآخرین.

کان من المتوقع أن ينبت هذا العمل القبیح في أفغانستان بعد الاحتلال وتواجد مرتزقة الغرب فیها، ولکن لم نکن نتوقع أن یتسع إطاره في هذه المدة القصیرة. وذلك نظراً إلی أن دولة کابل تدعي الإسلام والذب عن ساحته، وأن کثیراً من المنتسبین إلی الجهاد متواجدین في الإدارات الحکومیة.

ففي الأشهر الماضیة أُثیر جدل واسع عبر الإعلام والمنابر الرسمیة حول هذا الموضوع. وقد قام نواب بعض الولایات برفع أصواتهم في البرلمان، وصرّح هولاء النواب أنهم تلقوا شکایات عدیدة من جانب ممثلیهم حول التحرش الجنسي في الإدارات. وکان الحدیث حول التحرش الجنسي بالمرأة في الإدارات والساحات الحکومیة مطروح قبل ذلك. وکان البعض یردها ویکذب وجودها في الإدارات، ولکن تصریحات النواب کشفت النقاب وصدّقت الظنون والأخبار المتبادلة في المجالس وعلی أفواه العامة.

ونقلا عن وکالة أنباء “جمهور” قال چمن شاه اعتمادي، من نواب ولایة غزني: (مع الأسف جمیع أنواع الفساد رائج في “إدارة معارف” غزني، من تعاطي النقود إلی التحرش الجنسي. ورغم بذلنا قصاری جهدنا في حل هذه المشکلة، لم نحصل علی نتائج). وأضاف “اعتمادي” في حواره مع وکالة جمهور: (لدینا أخبار موثقة عن التحرش الجنسي بالطالبات خلال الامتحانات التنافسیة من جانب مسؤولي المعارف في غزني).

هذا غیض من فیض اتساع نطاق التحرش الجنسي في الإدارات، خاصة في إدارة “المعارف”.

إن تفشي هذه الظاهرة أثارت قلق الجمیع؛ ولذلك قامت مؤسسات مدنیة محایدة بالتحقيق في هذا المجال، منها “مؤسسة الشابات للتغییر”. وقد أخبرت هذه المؤسسة عن إزدیاد ظواهر التحرش الجنسي بالمرأة في الإدارات الأفغانیة. وتقول جمیلة جویا، من مسئولي هذه الموسسة: “إن هذه المؤسسة تسعی لرفع أصوات العاملات اللاتي واجهن هذه المشکلة. وإن التحرش الجنسي بالمرأة في ساحات العمل موجود ومقلق.”

لا توجد أرقام رسمية في هذا المجال، إلا أن بعض التقاریر والأخبار تنذر برقم هائل في هذا المجال.

ووفقاً لتقریر نشرته صحیفة “۸ صبح” فإن 5% من العاملات أجبن على سؤال: هل قدم العاملون طلباً جنسیاً إلی العاملات حتی الآن، فأجبن بنعم. و14,1% من العاملات یدعین أن زميلاتهن واجهن تحرشاً جنسياً داخل الإدارات. وقالت 1,7% من العاملات أنهن واجهن التحرش الجنسي في الإدارات.

وأضافت هذه الصحیفة أن الحوارات مع العاملات کشفت عن سر؛ وهو ترجیح الرؤساء اختیار عاملات لا یقمن برد فعل أمام التحرش الجنسي ویقضین طلبهم.

العاملات اللاتي یواجهن هذه المشکلة يعشن علی مفترق طرق؛ فإما أن یلبین طلب العامل، وإما أن یخترن ترك العمل، وإذا لم یستطع الرئیس إخراجها فسوف تلقى التحقیر والاستهزاء والإیذاء الکلامي.

وهذه نظیفة، إحدی عاملات الوزارة في أفغانستان، تحکي مواجهتها للتحرش الجنسي من قبل رئیسها، فتقول: “اُستخدمت في إحدی الوزارات، فظروف عائلتي أجبرتني علی العمل؛ لأن أبي قد توفي وترك أولاداً صغاراً. بدأت عملي في الوزارة، فإذا برئیسي يتقصد بي سوءاً. فکان یطلبني إلی مکتبه حیناً بعد حین، ولکن بعد مدة طلب مني التمکین، فرفضت طلبه بصرامة. ولم تنته القضیة إلی هنا، بل بدأ بتضییق العمل علي، وکان یحقّرني ویستهزئ بي کل یوم. لذلك عزمت علی ترك الوظیفة وتوديع الدوائر والمؤسسات إلی الأبد”.

قصة نظیفة لیست نهایة هذه السلسلة، بل هناك حوادث أخری مؤلمة جداً. منها التعدي علی طالبة من قبل أستاذیها في جامعة کابل. وقضیة التحرش بعاملة في “وزارة المعلومات والثقافة”. وتعدي طبیب من عمال وزارة الصحة علی شابة في ولایة بلخ. وفي ولایة ننجرهار تعدی عامل علی عاملة. وبعدما أُخبِر زوجها بالقضیة بادر إلی قتلها.

وقد نشرت صحیفة “۸صبح” قصصاً أخری من التعدي علی کرامة المرأة في إدارات الولایات الأخری. منها قصة عاملة في إحدی مکاتب قندوز. تحکي هذه الشابة قصتها فتقول: “عندما استخدمت في المکتب، طلب مني أحد العاملین فیه عملاً غیر مشروع. فوجهت إلی مدیر المکتب شکایة عنه. ولکن المدیر لم یقم بأي رد فعل تجاهه”. وقالت عاملة أخری: “إنني أعیش مع طفلین لي في بیت واحد. فعلم الرئیس بذلك. وطلب مني أن أمکنه من بیتي، وأن أرغّب العاملات الشابات لیأتین في بیتي ویجعلن أنفسهن في اختیاره. فرددت طلبه؛ لذلك أری منه کل یوم التحقیر والاستهزاء.”

والمؤسف هو أن الدولة، إرضاءً لسادتها الغربیین، لم تقم برد فعل حیال هذه القضیة. وربما سجنت بعض العاملین، ليطلق سراحه بعد حین. وقد صرح نواب غزني أنهم بذلوا قصاری جهدهم لحل هذه المشکله، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء حتى الآن. فالمجرمون مازالوا موجودين في وظائفهم.

 

ما سلف ذكره جانب من التحرش الجنسي بالمرأة في إدارات دولة کابل. ولاشک أن التحرش الجنسي في بعض خلایا المجتمع والمؤسسات والسفارات الخارجیة أدهى وأمر. إن هذه ظاهرة غیر مسبوقة في أفغانستان، وهي حصیلة الاحتلال والحضارة الغربیة في وطننا. والعجیب أن هذه الدولة رفعت لواء حماية حقوق المرأة وخصصت لها وزارة خاصة تعتني بشؤونها، فضلاً عن المؤسسات الخارجیة والداخلیة العدیدة الناشطة في هذا المجال، إلا أن المرأة فیها أکثر مواجهة لتعدي الفاسدین. ولا ندري کیف تستطیع الدولة العمیلة حل هذا التناقض المحیر للعقول.

لاشك أن الحریة وعدم وجود برنامج إیماني لتربیة العمال، ووجود إعلام فاسد، وتفشي الخلاعة، وعدم الحفاظ علی الحجاب من قبل العاملات، تعد من أهم أسباب هذه الظاهرة. وإذا لم یقم غیاری شعبنا لحلها فسوف یتسع نطاقها، وإذا اتسع الخرق علی الراقع فقلما تجدي الحلول والتخطیطات.

لذلك ندعوا الجمیع لبذل ما في وسعهم من الجهد حیال هذه القضیة. نسأل الله العافیة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى