الجهاد الأفغاني المعاصر من وجهة نظر الشريعة|| الرد على الشكوك والشبهات حول الانتفاضة الشعبية للأفغان ضد الشر والفساد والاحتلال الأمريكي.
مبايعة الملا محمد عمر في وجود برهان الدين رباني
إنّ الإمامة لديها أهمية كبيرة في النظام الإسلامي لتنظيم المصالح والأمور وتنسيقها، فيجب على الأمّة أن تسعى في إقامة الخلافة والإمامة، وبعد تنصيب الإمام من اللازم على المسلمين تنفيذ أوامر الإمام وحمايته.
فوفقاً لمذهب الأحناف لا يجوز لأحد أن يخرج بالسلاح على الإمام الشرعي العادل، حتى لو كان فاسقًا وفاجرًا.
ومن حمل السلاح ضدّه فهو باغٍ شرعاً، يجب أن يُفهم أوّلاً، فإن لم يتخلَّ عن البغي واستمر في إثارة الفتنة، جاز قتاله إلى أن يكف ويلقي السلاح لقوله تعالى: ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ) {الحجرات:9}.
يقول العلامة السرخسي رحمه الله: وهذا لأنه ما دام حاملا للسلاح فهو قاصد للقتال إن تمكن منه فيقتله دفعا لقتاله. المبسوط: ۱۰/۱۳۳
كما كُتب في السياسة الشرعية أنه لا يجوز خلع الإمام من غير حدث ولا تغير أمر، وهذا مجمع عليه. ص: ۵۷۹
وأنه قد حرم الخروج على الإمام حتى لا تنشر الفتنة بين الناس ولا تضيع مصالحهم ويتم الحفاظ على الأحكام الإلهية، ونظرًا إلى المصالح أنّه قد وُضعت شروطٌ خاصة للإمام الشرعي حفاظًا على المصالح العامة، وإذا ما فاتت الشروط فالإمام إما ينعزل أو يعزله أهلُ الحلّ والعقد عن الإمامة، لأنّ الإمامة هي الوكالة عن الناس، والموكِّل باستطاعته عزل الوكيل حينما يعجز عن أداء مهمته.
عندما تسقط المصلحة العليا للإمامة!
من أعظم الشروط للإمام هو سلطته على الرعية، وإطاقته للدفاع عن المظلوم، وقدرته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فعندما أصبح الإمام مقهورًا أي غلبه أحد وعجز عن تنفيذ الأحكام الشرعية وصدِّ العدوان عن الناس، أو لم تكن له سلطة وسيطرة، فقد سقطت المصلحة العليا للإمامة، إذن لا فرق بين الإمام وغير الإمام.
كما كُتب في السياسة الشرعية: ( أن الرئيس ينعزل عن منصبه إذا بطل تصرفه باستيلاء آخر على هذا المنصب بالقوة، سواء أكان الرئيس المقهور قد جاء إلى الحكم عن طريق اختيار أهل الحلّ والعقد أم كان هو الآخر قد قهره من سبقه). ص: 585
إمامة برهان الدين رباني وسيطرته على البلاد:
برهان الدين رباني لم يكن مسيطرًا حتى على مدينة كابول بأكملها، وكانت هناك في العاصمة كابول وحدها سبع إلى ثماني جزر من حيث السلطة، ولم تكن لرباني أي قدرة في المناطق التي يحكمها حكمتيار أو دوستم…، حتى ذكر اسم رباني كان يُعتبر جريمةً في المناطق غير الخاضعة لسيطرته، ففي مثل هذه الحالة لا أحد يعترف بإمامة الإمام، لأن الإمام هو الذي إذا سُئل أحدٌ من الرعية عن الإمام، استطاع التصريح باسمه بكل جرأة ودون تردد.
فيُمكننا القول بوضوح أنّ إمامة رباني كانت مخدوشة الحال من البداية، لكن حتى لو قبلنا زعامته، فإن إمامة رباني تسقط بسبب زوال المصالح العليا، وكان من الواجب على الأمة حينها أن تختار إمامًا شرعيًّا لها، وهي قد فعلت ذلك بمبايعة أمير المؤمنين الملا محمد عمر في قندهار، وعَيّنه حوالي 1500 من علماء الدين زعيماً للمسلمين .
كان برهان الدين رباني واجبَ العزل أيضاً !
لو قبلنا رباني كأمير شرعيّ على سبيل الافتراض، لكان واجب العزل بسبب المظالم والشر والفساد. نحن كلنا نشهد على أن رباني وعصابته يقتلون الناس ويضطهدونهم إلى يومنا هذا، وقد ارتكبوا أكبر الجرائم ضد المدنيين إبان حكمهم، وفي كابول وحدها، قد قُتل عدد لا يحصى من الناس في معارك رباني.
لذلك يقول العلامة ابن السمناني الحنفي:
(والإمام إنما يخلع إذا ارتكب من الأمور ما لا يجوز أن يبتدئ له معه ولاية، ولأنه نائب عن المسلمين، يستوفي ما وجب لهم من الحقوق ويوفيهم ما يجب لهم، ويستوفي منهم ما يجب استيفاؤه لله تعالى، فهو الأمين، والذائد عن الدين، فإذا جار واعتدى وتمرد واحتوى على الأموال وجب على أهل الدين وعلى المسلمين خلعه ومنعه والاستبدال به، وبهذا جرت عادة المسلمين فيمن خرج عن الطريقة ولم يستقم بهم في المسيرة. روضة القضاة وطريق النجاة للعلامة ابن السمناني الحنفي: 1/152.)
هل كانت طالبان على الحق في معارضة رباني، أم كانوا من البُغاة؟
والبعض، الذين لديهم مصالحهم الخاصة في معارضة طالبان، دائمًا ما يعترضون على أن طالبان قد بغوا على إمارة رباني، لأنه كان رئيسًا لأفغانستان، وعارضته طالبان حتى أطاحوا بحكومته، لكن الحقيقة؛ أن الباغي هو الذي يخرج على الإمام العادل ويعارضه، وأما إذا انتفض المسلمون ضد حاكم مستبد طاغية، وطالبوا بحقوقهم، فهم ليسوا في حكم البغاة، بل هم مسترجعون لحقوقهم وحقوق عامة الناس من ظالم جابر.
وقد كتب العلامة الشبلي رحمه الله: (أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم فهم ليسوا من أهل البغي وعليه أن يترك الظلم وينصفهم. حاشیة الشبلي مع تبيين الحقائق: ۲۹۴/۳.
كذلك ورد في الأساس في السنة وفقهها: الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، فإذا ما خرج ناس بالحق على الإمام الحق فليسوا ببغاة. ويجب على الإمام أن يتراجع، وإذا ما خرج ناس على الإمام غير الحق فليسوا ببغاة، ولمثل هذه المعاني أراد عبد الله بن يزيد الأنصاري أن يُشْعِر أبا بردة بأن هؤلاء ليسوا من كلاب النار، بل قد يكونون من الناجين عند الله. ۴۷۴/۱.
فلم يكن رباني امامًا للأفغان من الأساس، ولم يكن واجب السمع والطاعة على عامة الشعب، وحتى لو سلمنا بإمامته، فكان يجب على المسلمين في أفغانستان أن يعزلوه عن الحكم بسبب الظلم والفساد وفقدان سيطرته على البلاد، ويبايعوا حاكمًا عادلًا، كما تمّ فعله في قندهار من قبل 1500 عالم دين.
في المقال القادم سنناقش بالتفصيل مكانة كرزاي وأشرف غني والجهاد المعاصر ضد الأمريكيين وحلفائهم.