الجهاد في سبيل الله وفضله العظيم
ابو صلاح
إنّ المجاهد الذي انطلق لإعلاء كلمة الله تعالى، والتمكين لهدايته في الأرض، والتركيز للدين الحق، كان من اللازم بأن يكون جهاده أفضل من تطوع الحج والعمرة، وأفضل من تطوّع الصلاة والصوم؛ فالمجاهد خير الناس وأفضلهم كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ألا أخبركم بالذي يتلوه: رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها. ألا أخبركم بشر الناس: رجل يسأل باللهولا يعطي به”.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم، أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله».
وعظُم فضل الجهاد لما ينتظم فيه كل لونٍ من ألوان العبادات، سواء منها ما كان من عبادات الظاهر أو الباطن، فإنّ فيه من عبادات الباطن الزهد في الدنيا، ومفارقة الوطن، وهجرة الرغبات، حتى سمّاه الإسلام: «الرهبنة».
فقد جاء في الحديث الشريف: «رهبانية أمّتي الجهاد في سبيل الله».
و روى الترمذي: أن رجلا مالت نفسه إلى العزلة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: «لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة: اغزوا في سبيل الله. من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة».
قال محمد بن إبراهيم: أملى علي عبد الله بن المبارك حين ودعته للخروج هذه الأبيات، وأرسلها معي إلى الفضيل بن عياض:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ** لعلمتَ أنّك بالعبادة تلعبُ
من كان يخضب خدّه بدموعه ** فنحورُنا بدمائنا تتخضّبُ
أو كان يتعب خيله في باطل ** فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ** رهجُ السنابك والغبار الأطيبُ
ولقد أتانا من مقال نبينا ** قول صحيح صادق لا يكذبُ
لا يستوي وغبار خيل الله ** في أنف امرئٍ ودخانُ نارٍ تلهبُ
هذا كتاب الله ينطق بيننا ** ليس الشهيد بميت لا يكذبُ
قال: فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن، ونصحني، ثم قال: أأنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم.
قال: فاكتب هذا الحديث، أجر حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا.
وأملى علي الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: «يا رسول الله علمني عملا أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله فقال: هل تستطيع أن تصلي فلاتفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يا رسول الله، أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله أو ما علمت أن المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات».
هكذا فهمَ سلف هذه الأمّة والعبّاد الصالحون، أنّ أجر الجهاد لا يساويه شيء، ثم نرى الآن في عصر التمويه والتشويه والضلال ممن يدّعون العلم والفقه يقولون ليس هذا بزمن الجهاد، فالجهاد عندهم جهاد النفس والتزكية والسلوك، وللجهاد الحقيقي شروط لا توجد في هذا الزمان، ويكّأنهم يرضون بأن تبقى ديار الإسلام محتلة بأيدي الكفّار والصليبيين.
فالجهاد باقٍ إلى أن يسترجع المسلمون جميع ما افتقدوه من الأراضي الإسلامية بدءً من الأندلس ومرورًا بالقدس إلى سائر البلاد التي كانت للمسلمين فاحتلها الغاصبون والمحتلون، حكمُ الله وشريعته لا تبديل لذلك.