مقالات الأعداد السابقة

الجهاز الدبلوماسي للإمارة الإسلامية وجهود بدأت تُثمر

محمد صادق الرافعي

 

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة الإمارة الإسلامية إلى رأس الحكم؛ شهدت البلاد تطورات إيجابية في مختلف المجالات؛ من السياسة واتخاذ القرارات الحكيمة، إلى نمو ملحوظ في الاقتصاد وتقدم محسوس في تطوير البنى التحتية وإرساء الأمن الشامل، إضافة إلى إقامة علاقات دبلوماسية قيمة مع عديد من الدول بما فيها الدول الكبيرة والمؤثرة، كالصين وروسيا، واتخاذ سياسة متوازنة تجاه الدول المجاورة ودول المنطقة، ونجاح السياسة التي تبنّتها الإمارة المبنية على تبادل الاحترام والاعتراف بحق السيادة والاستقلال.

 

حقق الجهاز الدبلوماسي للإمارة الإسلامية، منذ أول يوم عادت فيه الإمارة إلى الحكم، نجاحات وتطورات حثيثة على الساحة الدبلوماسية، ومن خلاله أثبتت الإمارة الإسلامية للعالم بأنها ترحب بالتطور والتقدم، والتفاعل والتعاون، وتبادل المنافع مع الدول الأخرى في أطر محددة، مع احترام السيادة والجوار والاستقلال، وأنها تحترم كل من احترم استقلال أفغانستان وحق سيادتها وحق شعبها، دون وضع أي قيود أمام التفاعل مع الدول والهيئات.

 

إن القرار الأخير الذي اتخذه الكرملين لشطب اسم الإمارة الإسلامية من قائمة الجماعات المحظورة لم يكن إلا نتاجاً للجهود التي بذلتها الإمارة، خلال السنوات الأربعة الماضية، لعرض صورتها الحقيقية للعالم بعيداً عن حملات التشويه والتزييف المكثفة التي تعتمدها وسائل الإعلام المنحازة، والتي دأبت على تصوير الإمارة الإسلامية للرأي العالمي على أنها جماعة إرهابية مرعبة، الأمر الذي كنا نشاهد آثاره جلية في نظرة الشعوب والدول عن الإمارة الإسلامية، والتي تغيرت تغيراً إيجابياً اليوم بجهود الإمارة وبزيادة الوعي بحقيقتها الأصيلة، فأصبحت الشعوب والدول تنظر إلى أفغانستان من زوايا أخرى تختلف تمامًا عما سبق، وتغيرت المواقف ووجهات النظر تجاه أفغانستان كليًا عما مضى، وهذا الأمر هو الذي أرادت الإمارة الإسلامية من البداية التركيز عليه من خلال الجهود المبذولة، وها هي بدأت تثمر، وما خطوة روسيا هذه إلا واحدة من ثمرات تلك الجهود والمساعي.

 

روسيا وإن كانت تبحث عن منافعها الخاصة، كما هو شأن كل دولة، إلا أنها -بحسب المحللين- لن تتمكن من الوصول إلى أهدافها إلا عبر أفغانستان، وأنها ما وصلت إلى اتخاذ هذا القرار إلا بعد دراسة دقيقة ومنطقية حول الإمارة الإسلامية وأفغانستان الجديدة، وأن استقرار أفغانستان مرهون بوجود حكومة قوية وموحدة، ولعل أفغانستان ستكون نقطة تحول روسيا إلى قوة عظمى كما كانت نقطة النهاية لقوتها في القرن الماضي، حين كانت تُعرف آنذاك بالاتحاد السوفييتي، ولكن الفارق أنها -في القرن الماضي- دخلت أفغانستان بالقوة ومن غير بابها؛ فانتهة أمرها إلى الهزيمة والإنهيار، وأما اليوم فهي حاولت الدخول من الباب الصحيح؛ من باب الاحترام والدبلوماسية، ويُعدّ هذا موقفًا عقلانيًا يعكس إدراك ‎روسيا للوقائع الجديدة، وهو مبني على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

و قد أكد وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، يوم عادت الإمارة الإسلامية إلى الحكم، أن “أفغانستان تريد علاقات جيدة وثنائية مع الدول في جميع أنحاء العالم”، وهذا نداء ثانٍ بعد النداء الأول الذي أطلقته الإمارة الإسلامية عند تأسيسها، ولكن آنذاك لم تكن هناك قلوب واعية وآذان صاغية.

 

القرار الروسي الصائب هذا إنما هو رسالة إلى الغرب، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، بأن هذا القرار لم يأتِ عبثًا، بل كان نتيجةً لفهم عميق للواقع الأفغاني وأن الاستفادة من قدرات أفغانستان الاقتصادية والجوسياسية لن يتحقق إلا بالنظر إلى الواقع الذي تعيشه أفغانستان اليوم، والذي بدونه ستفشل كل الجهود وتذهب هباءً منثورًا، كما أثبت ذلك فشل الاحتلالين الروسي والأمريكي.

 

ووصف الجانبان الأفغاني والروسي هذا القرار الإيجابي بأنه تطور مهم في مسار العلاقات بين أفغانستان وروسيا، وأنه خطوة تاريخية نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، وتفاءل الجانبان بهذا القرار الذي يعد من أبرز التحولات السياسة الخارجية الروسية في السنوات الأخيرة. وينبغي للجانبين أن يستغلا هذه الفرصة لتعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات، وستفتح هذه الخطوة باب الإعتراف العالمي بالإمارة الإسلامية، وانخراطها في الاقتصاد العالمي، بما يمهد لها طريق الشراكة الفعالة في المحافل السياسية والاقتصادية الكبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى