الحضارة المادية والإسلام
ضياء بسام
إن الحضارة المادية لم تقدم للإنسان إلا الموت وحياة تمضي سداً وتنتهي عبثاً. أما الإسلام فقدم للإنسان الخلود وحياة تمضي لحكمة وتنتقل من طور إلى طور وفقا لنواميس ثابتة من العدل الإلهي، حيث لا يذهب أي عمل سدى ولو كان مثقال ذرة من خير أو شر..
فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
واليوم تصل الحضارة المادية إلى الذروة في القوة والعلم، وتكتمل لها أدوات الفعل والتأثير؛ من إذاعة وتلفزيون ومسرح وکتب واهية ومجلات مزخرفة، وهي سواء كانت أمريكية أو سوفيتية، لا تزال تغتال العقل والروح وتصول على الإنسان بخيلها ورجلها. ورغم كل شيء فأصالتها متهافتة واهية؛ لأنها تغتال نفسها ضمن ما تغتال، وتأكل كيانها، وسوف تقتتل مع بعضها البعض وتتحارب بالمخلب والناب وبالقنابل الذرية والقذائف النووية؛ فالطمع والجشع حياتها وموتها.
وعلى رقعة صغيرة من الأرض -أعني أفغانستان- يقف الإسلام كمنارة في بحر لجي مظلم متلاطم، الموج يعج بالبوارج والغواصات وحاملات الصواريخ.
وما أكثر المسلمين ممن هم في البطاقة مسلمون، ولكنهم في الحقيقة ماديون، اغتالتهم الحضارة المادية بأفكارها ودعوتها، يقتل بعضهم البعض ويعيشون لليوم واللحظة ويجمعون ويكنزون ويتفاخرون ولا يرون من الغد أبعد من لذة ساعة، ويتكلمون بلغة سوفييتية أو لغة أمريكية، ولا يعرفون لهم هوية. وقد نجد من يصلي منهم إلى القبلة خمس مرات في اليوم ولكن حقيقة قبلتهم هي فاترينة البضائع الاستهلاكية.
ولا يبقى بعد ذلك إلا قليل أو أقل القليل ممن عرف ربه. ولو بقي مؤمن واحد مرابط على الحق في أربعة آلاف مليون؛ فهو وحده أمة ترجحهم جميعا عند الله يوم تنكشف الحقائق وينهدم مسرح العرائس ويخرق ديكور الملذات الملونة، وتنهار علب الكرتون التي ظنناها ناطحات سحاب وتنتهي الدنيا.
وحينئذ تهتك الأستار وتقام الموازين، وسوف نعرف ما الدنيا وماذا تساوي، وماذا يساوي كل الزمن حينما نضع أقدامنا في الأبد. وحينئذ سوف نتذكر الدنيا كما نتذكر رسما كروكيا، أو مسرح خيال الظل، أو نموذج مثال مصنوع من الصلصال لتقريب معنی بعید ومجرد.
وسوف نعلم أنها ما كانت سوى القطرة التي فيها كل أملاح البحر المحيط، ولكنها لم تكن أبدا البحر المحيط.