الحكومة الشاملة في الإسلام
سيف الله الهروي
بعد إعلان الإمارة الإسلامية في أفغانستان حكومتها لتصريف الأعمال قبل مدّةٍ، بدأ خصومها يطرحون قضية الحكومة الشاملة، ويطعنون في حكومة الإمارة الإسلامية التي أعلنت تشكيلها، ويصفونها بأنها ليست شاملة وأنها كذا وكذا… ويطالبون بتشكيل حكومة شاملة حسب زعمهم!
لكنّ الحكومة الشاملة التي يريدها خصوم الإمارة، والتي ينادي بها بعض الحكام والأنظمة الهرمة في المنطقة، التي لا يكاد يرفع فيها صوت مخالف لنوايا حكّامها المستبدين؛ هي كلمة حق يراد بها باطل؛ لأن الحكومة الشاملة التي يتطلع لها هؤلاء هي التي يتم فيها إشراك الخونة الذين كانوا في الحكومة السابقة وكانوا يحاربون الإمارة الإسلامية تحت راية المحتلين الأمريكان. ولا شك أن الشعب الأفغاني خلال العقدين الماضيين جربوا حكومة العملاء، وجربوا فسادهم وهوانهم، فهم ليسوا بحاجة إلى تكرار التجارب من جديد، بل هم بأشدّ حاجة إلى الحكومة الشاملة بالمعنى الذي تقرره الشريعة الإسلامية، والتي تسعى الإمارة الإسلامية أن تقدّم نموذجا منها في أفغانستان، فالحكومة الشاملة في الإسلام معناها أن يتم توزيع الثروات والخدمات في كافة الولايات والمقاطعات وعلى كافة المواطنين والقوميات بطريقة عادلة متساوية من غير تمييز بين ولاية وولاية، ومن غير تمييز بين قومية وقومية أخرى.
والحكومة الشاملة التي تعتزم الإمارة الإسلامية تطبيقها، والتي تقررها الشريعة الإسلامية، ليست بحسب قومية أفرادها وألسنتهم، بل بحسب أعمالهم وسلوكهم الذي يكون وفقا للمعايير الإسلامية.
والحكومة الشاملة في الإسلام معناها أن يكون للدولة إشرافٌ وسلطة على كافة ولايات البلد سلطة كاملة توفر أمنها وتسعى في حل مشكلات أهلها بعدل وإنصاف ومن غير تمييز.
والحكومة الشاملة من وجهة نظر الإسلام أن يتساوى أمام القانون المسؤولون وعامة الشعب كأسنان المشط لا يفوق أحدٌ آخر. وتطبق مواد القانون بطريقة متساوية وعادلة في حق الجميع سواسية شريفا كان أو وضيعا، رئيسا كان أو مرؤوسا، رعية كانوا أو رعاة.
والحكومة الشاملة هي التي تحفظ الأموال والأعراض والدماء للجميع، بغض النظر عن فوارق اللون واللسان والعرق.
والحكومة الشاملة أن تتم تولية المناصب، التي هي أمانات، إلى من يستحقها، بغض النظر عن الفوارق القومية أو اللسانية، لا إلى من ليسوا أهلا لها كالعلمانيين والفاسدين والملحدين وغير ذلك، وإشراكهم في مقاليد الحكم.
والحكومة الشاملة معناها أن لا يحرم أحد، أيا كان فكره أو دينه أو لسانه، من الحقوق الأساسية كالتعليم وغيره.
ليست الحكومة الشاملة في الإسلام في أن توكل بضعة مناصب لبعض من أعيان الأقليات القومية، ثم يترك سائر أفراد تلك القومية في فقر وبلاء كما هي عادة الكثير من الجمهوريات والديموقراطيات المعاصرة في المنطقة.
كما أن الحكومة الشاملة بمعنى توزيع القدرة بين أحزاب مختلفة متناقضة دينيا أو فكريّا أو سياسيا، لا وجود لها في العالم المعاصر ولا في أي بلد من البلاد الأوربية والشرقية؛ لأن الحكومة الشاملة بمعنى توزيع القدرة على الأحزاب التي تتناقض بعضها مع بعض فكريا وسياسيا، بمثابة رداء يأخذ كل طرف جانبا منه، فيتمزق الرداء ولا ينتفع به أحد في النهاية.
ولقد ثبت بالتجربة أن الحكومة الشاملة بهذا المعنى كان مصيرها إلى التقسيم الجغرافي، وإلى الفساد والفوضى والانفلات الأمني. والحكومة الشاملة بهذا المعنى ترفضها الشريعة الإسلامية ويرفضها العقل السليم، وترفضها المبادئ والمواثيق الدولية المعترف بها لدى البشر قديماً وحديثاً.