مقالات الأعداد السابقة

الحكومة القائمة على الشريعة الإسلامية

مجتبى أمتي

 

عقب هزيمة أمريكا النكراء في أفغانستان هزيمة لم تستسغها عقول عبيد المادة، حللوها تحليلات مضحكة مادية محضة؛ لاعتقادهم ألوهية أمريكا كما اعتقد آل فرعون في فرعون، حتى أراهم اللّٰه جثة فرعون الهامدة فصدقوه: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).

عقب هذه الهزيمة بدأت القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والمحللون العلمانيون وتلاميذهم النجباء يشنون هجمات عنيفة ضد الحكومة الجديدة المتطلعة إلى تطبيق الشريعة في الحكم والقضاء، ويبدون قلقهم وترحمهم الثعلبي على الشعب الأفغاني المظلوم المضطهد! وكأن العادل حل محله الظالم، حسب ظنونهم، بحجة أن الحكومة الجديدة تريد الإسلام!

وغشت العقول غير الناضجة والجاهلة بحقيقة الإسلام كآبة وحزن دائمان! وأخذوا يبثون دعاياتهم ونداءاتهم وانتظروا ليصطادوا في الماء العكر، وإذ بالأمر انقلب على عكس ما كانوا يظنون؛ فرأوا قوماً رحماء دخلوا فاتحين المدن والعفو شعارهم في القول والعمل؛ فذكرونا بفتح مكة، وماهذه إلا ميزة من مزايا الإسلام وطبيعته المرنة، بعكس الحروب الصليبية والحربان العالميتان، فلم يمدوا في هذه الفتوحات يدهم إلى امرأة أجنبية متعففين عن الزنا المحرم في الإسلام متقين اللّٰه وعذابه، ولم يسرقوا مالا ولا متاعا، بل ساد الأمن بعد أن كان الشعب الأفغاني يعاني من السراق قبلئذٍ، ولا يأمن على ماله ونفسه وعرضه.

لا شك أن أمريكا وأذيالها وحلفاءها قضوا عشرين سنة في أفغانستان غزاةً؛ ليصدوا عن تأسيس الدولة الإسلامية بقوتهم العسكرية وبنوا لذلك قواعد قوية، وجعلوا بوارجهم حامية لها من مسافات بعيدة، لكنهم انهزموا أمام قدرة اللّٰه الغلابة، وهمة المجاهدين الأبطال، والعلماء الربانيين في ذلك الجو العلماني الشيوعي الموبوء المخيف. وفي رأيي أنهم جاءوا ليؤسسوا دولة علمانية في قلب العالم الإسلامي ومنطقة ذات إستراتيجية جغرافية دينية -حسب ما ورد في الأحاديث- ويجعلوها موئلًا لمكايدهم؛ لكنه كان ما شاء اللّٰه، فنصر جنده وهزم الأحزاب كلها، وخانت المقاييس المادية والإطارات الفلسفية أهلها؛ فغلبت الفئة المؤمنة القليلة الفئة الكثيرة بإذن اللّٰه.

 

بعد هذه الهزيمة العسكرية بدأوا حربا إعلامية واسعة النطاق ضد هذه الفئة المؤمنة بحدهم وحديدهم، مفادها أن الدولة القائمة على حكم اللّٰه لا تجدي نفعًا ولا تُرضي شعبها؛ بل تجلب لهم الويل والسخط! والأسوأ من ذلك المسلمون المثقفون الذين تأثروا بالغرب وثقافته، ويريدون إسلامًا أوروبيًا.

 

وفي هذا المقال سنحاول أن نلقي أضواء على الدولة في إطار الشريعة حتى لا ينخدع جيلنا الشباب بالدعايات المضادّة للإسلام والشعارات الخاوية، ولا يقعوا في شِباك أعداء الدين.

 

من الضروري أن يعلم أولاً أن الشريعة لا تكون إلا إلٰهية مستندة ثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة؛ وما سواها لا يكون شريعة، مهما أضفي عليها اسم الإسلام. فينبغي أن يكون الباحث عنها على علم عميق بسيرة رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- وخلفائه الراشدين المهديين، حتى لا يرتكب استنباطًا شخصيًا؛ كما قال رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل عندما أرسله واليًا على اليمن: “كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟”. قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: “فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟”. قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم-. قَالَ: “فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم- وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟”. قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم- صَدْرَهُ وَقَالَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ”. سنن أبي داود

 

فكون الشريعة إلٰهية، يعني أنها مزيج من الرحمة والشفقة من اللّٰه عز وجل وهو أرحم بعباده ومصالحهم من الأم بولدها الرضيع، فانظر إن شئت إلى حكمة تحريم الربا والسرقة والزنا وفعل قوم لوط والظلم والسفور و… ينشرح صدرك ويمتلئ إيمانًا بحكم اللّٰه.

 

ومؤخراً، ظهرت بعض المظاهرات النسوية في أفغانستان دفاعا عن حقوق المرأة وخوفا من إضاعتها؛ تحريضا من وسائل الإعلام. والحال أن المرأة في الحكومة السابقة ديست كرامتَها وقداستَها، وبيعت كمتاع بثمن بخس، وإن أعطوها حق السفور والتبرج تبرج الجاهلية الأولى فللاستمتاع بها؛ لأنهم صرعى الشهوات وعبيد المادة لا يحملون رحمة لها في قلوبهم، ولا أدلّ على ذلك من الشركات التجارية المتعاطية للزانيات المترامية الأطراف التي يديرها اليهود.

 

إلى جانب ذلك، فإن أبرز سمة للحكومة الشرعية هي العدل بين الرعية على السوية، وهذا هو الذي يدعيه الغرب ظاهرًا ويحاربه باطنًا؛ لأن العدل يعني القضاء على التحزب والعنصرية، والغرب -وعلى رأسهم اليهود- في خطر لو شاع العدل وصار بنو آدم سواسية، ولم يبق فضل لشعب على شعب ولا للون على لون آخر؛ وليس عنا ببعيد عنصرية أمريكا حيث تبنى فيها بيوت الخلاء في “بنتاغون” مختلفة: للأسود نوع، وللأبيض نوع، وحافلات للسود، وحافلات للبيض، وفقًا للاتجاه العنصري الذي استأصله الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا.

والعدل الحقيقي في الحكومة الشرعية يؤمّن الجميع ويهدّئ بالهم، ويشمل الكافر والمسلم والمرؤوس والرئيس؛ والأمثلة على ذلك في سيرة الرسول -صلى اللّٰه عليه وسلم- وسيرة الخلفاء الراشدين وتاريخ الحكومات الإسلامية وافرة كثيرة؛ حيث يقف الباحث عن الحقيقة حائرًا مشدوها أمامها: (استعدى رجل على علي بن أبي طالب -رضي اللّٰه عنه- عمرَ بن الخطاب -رضي اللّٰه عنه- وعلي جالس فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه وتناظرا، ثم انصرف الرجل ورجع علي -رضي اللّٰه عنه- إلى محله، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا! أكرهت ما كان؟ قال نعم. قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك! فاعتنق عمر عليا، وجعل يقبل وجهه).

 

انظر إلى هذا العدل الذي لا تكاد تصدقه عقول المادة والدعاة إليها. والأمم المتحدة لا تحمل من العدل إلا اسمه، ولا تزال تدعم الأمم القوية وتسعى في استمالتها نحوها.

 

وعلى الحكومة الشرعية أن تحارب المفاسد العامة من السرقة والزنى وفعل قوم لوط وشرب الخمور والرشوة بإجراء الحدود من قطع اليد والرجم والضرب والنفي؛ لئلا تتعدى آفاتها إلى سائر الناس المقيمين في البلد الإسلامي، وليسود الأمن والاستقرار.

 

وكم ثم كم حاولت وسائل الإعلام إرهاب الناس من الحكومة القائمة على أساس الشريعة الإسلامية، مستدلة بأنها تقطع الأعضاء وأشاعت مشاهد من إجراء الحدود وأرعبت القلوبَ بذلك، منها “بي بي سي” و”اينترنشنال” وأخواتها من مرتزقة إنجلترا وأمريكا الذين صاروا -مع الأسف- موئل الناس في الأنباء. ويا ليت العالم الإسلامي استطاع تأسيس أكبر مركز للأنباء يذهب بسيادة هذه القنوات التي تلعب دورًا كبيرًا في تشويه صورة الإسلام، وتجمل صورة الغرب بالخداع والمكر والتلبيس وبستر فضائح الغرب وجناياته الحربية وغير الحربية.

 

فالواقع أن الشريعة الإلٰهية، لسدّها الطرق المؤدية إلى إرضاء النفس، صارت أعدى عدو للديمقراطية التي تريد الحكم للنفس ونزواتها في صبغة خداعة وشعارات خلابة.

 

ولو شمّر الباحث عن الحقيقة بغضّ النظر عن الشعارات والهتافات، وطالع تاريخ الحكومات الإسلامية من بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا وقايس بينها وبين الحكومات غير الإسلامية من الشيوعية والعلمانية وغيرها، محايدًا لا متعصبًا؛ لاعترف قلبه وضميره بأن الإسلام يُهدي لرعيته السلام والأمان والرخاء والحياة والخيرات التي هي من نتائج دين الفطرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى