مقالات الأعداد السابقة

الحنين إلى الشهادة

 

محمد داود المهاجر

 

عندما نسمع في الأخبار بأنّ مجموعة من المسلّحين قاموا بشن هجمات مسلحة على مقر القيادة الأمنية بولاية قندهار، وفجّروا الباب الرئيسي بسيارة ملغّمة” أو نسمع بأنّ ” 2 من الجنود النفوذيين قاما بزخّ الرصاص على الجنود المحتلين، وقَتلا وجرحا عددًا من المحتلين ثم قُتلا في النيران المتبادلة”، وربما العشرات من هذه العمليات البطولية والنّوعية سمعناها في الأخبار.

ولكن هل تريّثنا ومكثنا قليلًا بعد استماع هذه الأخبار؟

هل فكّرنا كيف يمكن أن يضغط أحد على الزرّ الذي ينتهي به عمره في هذه الحياة الدنيا، ويفقد بضغط ذلك الزرّ أعزّ ما يملك وهو عمره وروحه، وتنتهي حياته في لحظة وتتبدل إلى دخان ونار وأشلاء؟!

ما الذي وراء هذا الهدف السامي، وأي شيء يشجع الإنسان كي يختم بحياته؟

أجل؛ لو عشتم عن كثبٍ مع هؤلاء الأبطال لعرفتم سبب ذلك، بأنّ السبب الرئيس بعد قوة الإيمان هو الشوق الوافر نحو الشهادة، الشوق إلى رب العالمين، الشوق إلى جنة عرضها السماوات والأرض، إلى حياة الخلود الدائمة: » لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى«، وحقا إنهم فهموا مغزى: الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب.

إنّ المؤمن لا يخاف من الموت ولا يهابه، ولا سيما إذا كان في سبيل الله، وإنّ المؤمن طالب موتٍ في رضا الله سبحانه وتعالى ولا سيما إذا كان قاصمًا لظهور الأعداء.

إنّ شوق الشهادة قوّة معنوية عظيمة تسوق الشباب إلى مسلخ العشق، وجعلهم كي يقبّلوا عود الصليب، ويلقوا بأنفسهم ثملا في نيران النمرود كي يرفعوا صوت التوحيد، ويوصلوا بأنفسهم إلى وادي العشاق.

وحياة الصحابة مليئة من هذه التضحيات، فالصحابي يكسر غمد سيفه كي لا يغمد سيفه ثانية، أو يأتي صحابي لدى أقربائه ويقول سألتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يخوض صحابي لوحده في جمع الكفار حتى يقضي نحبه، أو ذلك الصحابي الأعمى الذي يتمنى بأن يكون في الخطّ الأمامي حتى يستشهد في سبيل الله.

وآلاف النماذج من التضحية والإقدام والعشق بالشهادة، تاريخنا الإسلامي حافلٌ بها.

 

هتفت بهم ريح العلا فأجابوا         وإلى الوغى بعد التجهز ثابوا

ملكوا نفوسهم فباعوا واشتروا            في الله ما خافوا العدا أو هابوا

تركوا لنا العيش الذليل وغادروا           في عزة ولهم بها إسهاب

تلك الشبيبة والفخار يحوطهم           رفعوا لنا بعد الرغام جناب

إن أصبحوا فالخصم يرهبهم        وإن جن المساء فكلهم أواب

ألقوا إلى الدنيا تحية عابر ومضوا    إلى درب الإباء غضاب

نبحت كلاب العالمين ورائهم       وأمامهم كم يستميت ذئاب

حملوا مدافعهم وخاضوا وانبروا     والموت يزأر والعرين خراب

هم علموا الأجيال أن صلاحها         بجهادها والباقيات سراب

هم لقنوا خصم العقيدة درسهم       ولكم يجادل حوله المرتاب

هم نجمة في أفقنا لما غدا           في ظل حامية الصليب تراب

نبأ يهز كياننا ويزيحنا            ويحيل حالكة الظلام شهاب

نبأ تزلزل ركن أمتنا له        في حين قالوا قد مضى

ما عذر عيني وهي بعد شحيحة      ما عذر صمتي والفؤاد مذاب

كم أسقطت يمناك من راياتهم      ولقد سقيتهم الهوان شراب

كم قدت خيلك والجنود بواسل     والنصر في وعر الجهاد مشاب

كم ليلة صبحت فيها جمعهم       ولقد يصبح للعدو عذاب

يا الغالي ومثلك نادر         ودعتنا، والخائنون أصابوا

يفديك خلفك كل رعديد إذا       ذكر الجهاد تخاذلوا وارتابوا

يفديك جيل اللهو في غفلاته       طربا يدنس أرضه الأغراب

لكن طريقك موحش واجتزته      ورضيته فليفرح الأحباب

يارب إن سار الهمام وأظلمت    أوطاننا واستفحل الإجداب

فاجعل لنا من بعده من مثله      وارفع لنا في العالمين جناب

سقط الشهيد وأسدلت أحزاننا    ولنا على درب الجهاد شباب

فعش عيشا هنيئا في جنان    تجافيك المتـاعب والسقام

فيا رباه اجمعنا ســويا       بفردوس يطيــب بها المقام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى