
الدواعش..لا الإسلام نصروا ولا الأعداء كسروا
عبدالمتين الكابلي
كثيرا ما استوقفني حديث رسول الرحمة -صلى الله عليه وسلم- عندما اختَصّ “الخوارج” بأنه إنْ أدرَكَهُم لَيَقتُلَنَّهُم قَتْل عاد، وتَرغِيبِه في قَتْلِهِم وأنَّ خَيرَ قتيلٍ مِنَ المسلمين مَن قَتَلُوه..
الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي عفا عن الذين آذوه وآذوا الإسلام والمسلمين في مكة وأطلقهم بعد الفتح، وهو الذي رفض الدعاء على مَن وقفوا في وجه دعوته في الطائف وآذوه أذًى شديدًا حتى سالت الدماء الطاهرة منه؛ هو نَفْسُه الذي أَمَر بكل وضوح أنْ يَقْتُل المسلمونَ الخوارجَ الذين لَم يَرَهُم -صلى الله عليه وسلم- ولم يدركهم، وأنْ يقتلوهم دُون رحمة أو رأفة عند ظهورهم، بل جعل قتالهم مِن أقرب القربات وأفضل الطاعات، وأخبَر أنَّ القتل على أيديهم خيرُ قِتلَةٍ تحت أديم السماء، رغم أنهم -أي الخوارج المناكيد- مِن أَعبَد الناس في الظاهر..
لَم يَكُن صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة ورسول الرحمن الرحيم؛ لَم يَكُن ليأمر بهذه الغلظة والشدة لولا أن هذه الفرقة النارية الضالة خطرٌ لا يَعدِلُه خطرٌ على أمة الإسلام، وأنه يجب اجتثاث نَبتَتِهِم الخبيثة قَبْل أنْ تَكبُرَ مُرتَوِيَةً بدماء المسلمين..
فيا ويح أهلِ الجهاد إنْ قَصَّرُوا في قتالهم والتقرب إلى الله بدمائهم النجسة، يا ويل أهلِ السنة إنْ تساهلوا في أمر الخوارج وتركوهم يعودون من جديد..
قال ابن رحجر رحمه الله: (قال ابن هبيرة : وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الاسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى).
قال الإمام وهب بن منبه اليماني رحمه الله في نصيحته اليمانية: …” ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم لفسدت الأرض وقطعت السبل وقطع الحج من بيت الله الحرام، إذًا؛ لعاد أمرُ الإسلام جاهليةً حتى يعودَ الناسُ يسثغيثون برؤوس الجبال كما كانوا في الجاهلية.
أيهما أولى بالقتال المشركين أم الخوارج ؟ أخرج ابن ابي شيبة عن عاصم قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول ويداه هكذا يعني ترتعشان من الكِبَر : ” لقتال الخوارج أحب إليَّ من قتال عدتهم من أهل الشرك”
قَــالَ الإمَام الآجُرِي – رَحِمهُ الله – في أجداد داعش: والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج، يتوارثون هذا المذهب قديمًا وحديثًا) .الشريعة (٤٢/١)).
وقَــالَ شَيْخ الإسْلاَم ابْنُ تَيْمِيّة – رَحِمهُ الله: (الخوارج دينهم المعظم، مفارقة جماعة المسلمين، واستحلال دمائهم وأمواله). (مجموع الفتاوى (٢٠٩/١)).
وقال في الفتاوى ( 28/518): (فإن الأمة متفقون عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي تَكْفِيرِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا نِزَاعٌ فِي كُفْرِهِم).
قال الحسن البصري – رحمه الله – عن الخوارج: “حيارى سكارى ليسوا يهوداً ولانصارى ولا مجوساً فيعذرون” اﻫـ . (الشريعة) (ص – ٣٨).
وقال أيضاً: “والله لقد رأيناهم صوراً ولا عقول، وأجساماً ولا أحلام، فراش نار وذبان طمع” اﻫـ . (مسند أحمد) (٢٧٢/٤) .
قال وهب بن منبه – رحمه الله: “والله ما كانت للخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم … وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج” اﻫـ . (تاريخ دمشق) (٣٨٣/٦٣) .
من أجمل ما ذكره ابن تيمية عن أجداد الدواعش قوله: والعجب مِنْ قومٍ أرادوا بزعمهم نصر الشَّرع بعقولهم النَّاقصة وأقيستهم الفاسدة، فكانَ ما فعلوه ممَّا جرأ الملحدين أعداء الدِّين عليه، فلا الإسلام نصروا ولا الأعداء كسروا.
فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة” اهـ . (منهاج السنة النبوية) (٢٤٨/٥).
وقال عن الخوارج الإمام ابن كثير رحمه الله: “إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها، عراقاً وشاماً، ولم يتركوا، طفلاً ولا طفلة ولا رجلاً ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلاّ القتل جملة” اهـ (البداية والنهاية) (٥٨٤/١٠ – ٥٨٥).
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله: “كان سمرة بن جندب – رضي الله عنه – شديداً على الخوارج فكانوا يطعنون عليه” اهـ . (الإصابة) (١٣٠/٣).
لقد انهار تنظيم الدولة بفضل الله، أسقطه الله وقتل قياداته وجعله عبرة وعظة لمن اتعظ.. ولم يكن هذا لأجل مَعَاصٍ لم يَسلَم منها جيش؛ أو أخطاء إدارية أو بعض المظالم هنا أو هناك!
بل لأجل دِمَاءٍ استبيحت وسالت كالأنهار باسم شرع الله!
ولأجل إكفار عبيد الله المجاهدين الموحدين وابتداع دين لا يَعْذُرُ مسلمًا ولا يُيَسِّرُ على مكروب؛ باسم التوحيد!
فغار الله على شرعه ودينه وتوحيده..
سقط تنظيم الدولة، وتحققت فيه دعوة مُفَرِّق الجماعات بعد أن باهل على باطلهم مكابرةً وكذبا؛ إن كانوا خوارج مارقين بأن يَقصِم اللهُ ظَهْر دولتهم ويُسقِط رايتهم ويَقتُل قادتهم ويهدِيَ جندهم..
فَقَصَم اللهُ ظَهْر دولتهم وأسقط رايتهم وقَتَل قادتهم..
وبَقِيَت هداية الجند..
أما هداية الجند فلا تكون إلا بالبراءة التامة من هذا الفكر والضلال ومفارقة أهله مفارقة كاملة، وإعلان التوبة النصوح، والرجوع إلى منهج وعقيدة وجماعة أهل السنة والجماعة، والتّحلُّل من المظالم خاصة الدماء، فمن كان قد قَتَل أو شارك في قَتْل مسلم فلينزل إلى شرع الله إن كان صادقا، وليتحلل من مظلمته في الدنيا بأن يُسلمَ نفسه لأولياء الدم يقتصون منه جزاء ما اقترفت يداه..
هكذا أرى هداية الجند لا غير..