السرطان من نتائج الاحتلال
بقلم الاستاذ خلیل
الاحتلال هو أم الفساد، ويشهد التاريخ أن الشعوب لم تر خيرا قط في تواجد الاحتلال، لم يتقدموا، ولم ينعموا بالأمن والسلام، جاس المحتلون خلال ديارهم وألحقوا الأضرارا الجسيمة بهم في مختلف المجالات الدينية والإجتماعية والفكرية والثقافية والتعليمية والأخلاقية والصحية والسياسية والاقتصادية، والتي تعاني الشعوب من آثارها القصيرة والبعيدة المدى إلى أمد بعيد.
نعم! إن الاستعمار يريد بإثارة الفسادات المختلفة أن يُذلّ الشعوب ويُخضعهم ويُحقّق أهدافه المشؤومة بسهولة.
قال الله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }النمل34
التفسير:{قالت} بلقيس{ إنَّ المُلوك إذا دخَلُوا قَريةً } عنوةً وغلبةً { أفْسدُوها } قتلا وأسرا ونهبا لأموالها، وتخريبا لديارها، { وجَعَلوا أعزَّة أهْلها أذلَّةً } أي: جعلوا الرؤساء السادة أشراف الناس من الأذلين بالقتل والأسر والاجلاء والاستعباد والاستخدام، وغير ذلك، ليستقيم لهم الأمر، قال الله تصديقا لها ” {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يعني هذه هي عادتهم المستمرة.
نعم، هذه هي عادة المحتلين أنهم لا يرحمون عوضُ أهالي المنطقة المحتلة، ولا يترددون في أية جريمة إضرارا بهم، يدمرون منازلهم، ويداهمونها، ويقصفونها، ويقتلون أهلها، ويأسرونهم ويعذبونهم، ويستخفّونهم، ويطاردونهم ويجبرونهم على الهجرة ويسعون لاحداث الخلافات الطائفية والعرقية والعصبية بينهم، ويوقظون فتنا مختلفة ليُشغلوا الناس به، ويسلبون الإرادة والخيار عن الشعب ويتلاعبون بمصيره.
نحن نشهد أنه قد استُهزِئ بشعائرنا ومقدساتنا الإسلامية وثوابتنا وقيمنا الدينية في ظل الاحتلال الأمريكي، وارتد عدد من الشباب عن دين الإسلام القويم جهارا ونهارا.
و في ظلال هذا الاحتلال انتهكت سيادة بلادنا واستُهزئت بثوابتنا الوطنية وأُلقِيَت تحت أقدام المحتلين إرضاء لهم.
كلنا يعلم إلى أي حد وصلت البطالة والجهالة؟ وارتفع مؤشر الفقر؟ أما الجرائم فلا تسأل عن كثرتها وبشاعتها، وعم الفوضى، ووصل الفساد الإداري إلى أعلى ذروته، وسوق النهب، والغصب، والرشوة، والرباء، والسرقة لا زالت قائمة، وقد شمّر المحتلون عن سواعدهم لنهب المعادن والأحجار الكريمة، ويسرقون ثروات الوطن بشكل منسّق، وازدهرت تجارة المخدرات ووصل عدد المعتادين والمدمنين إلى الملايين، واشتدت موجة الفواحش والفساد الأخلاقي حتى صارت وسائل الإعلام تلوك هذه الأخبار كل يوم.
وعصارة القول أن البلاد تهوى نحو هاوية الهلاك يوما فيوما، إن مفاسد الاحتلال كثيرة وواضحة كالشمس ولا أظن أن ينكرها ذو عقل، ولا ينكرها إلا الذين جُبلوا على العمالة وغُذوا بلبان الاحتلال وغدوا يبحثون عن طوق النجاة الذي باتوا يجدونه في استمرار الاحتلال.
إننا لو أردنا عدّ مفاسد الاحتلال لم يسعها مقال واحد، ولكن نريد اليوم أن نسلط الضوء على مفسدة للاحتلال التي تبقى أضرارها الصحيّة إلى قرون ويهدّد الأجيال القادمة.
نعم، لقد اتخذ المحتلون وطننا الغالي حقلا لتجاربهم حيث يسيطر الصليبيون الحاقدون على بر البلاد وجوها ويستعملون كل نوع من أنواع الأسلحة أينما أرادوا وحينما أرادوا، لا يُسألون عما يفعلون.
وقبل عدة أشهر كشفت صحيفة “ستارز آند سترايبس” الأمريكية أن أمريكا تختبر أسلحة كيمياوية جديدة في أفغانستان.
لقد باتت آثار كثرة استخدام الاحتلال الصليبي الغاشم للأسلحة الكيمائية والسامّة تظهر حينا فحينا في أفغانستان.
و قد شهدت أفغانستان انتشارا واسعا لمرض السرطان المهلك في الآونة الأخيرة، وفقا لخبراء الصحة إن من أهم أسباب انتشار مرض السرطان ارتفاع نسبة تلوث الماء والتربة والهواء نتيجة قصف المحتلين بمختلف أنواع الأسلحة والقنابل وخاصة استخدامهم للأسلحة الكيماوية.
يحدّد رئيس برنامج مكافحة السرطان في وزارة الصحة الطبيب “ميهن عبد الله”، ومسؤول قسم طب الأورام في مستشفى “الجمهورية” ذبيح الله “استانكزاى” ورئيس مستشفى ولاية “كابيسا” الطبيب “روح الله” في حوار مرئي مع وكالة “سبوتينك” إلى جانب أسباب السرطان الأخرى، الاستخدام المفرط لمختلف أنواع المتفجرات والأسلحة الكيمياوية في أفغانستان.
و تشير الإحصائيات إلى أن الأمراض السرطانية باتت تحتل المرتبة الأولى بين الأمراض الأكثر انتشارا في أفغانستان.
فوفقا لتقرير الوكالة الدولية لبحوث السرطان IARC)) لقد بلغ عدد مرضى السرطان عام 2008 الميلادي 14000 حالة مات منهم نحو 11000 شخصا، وقدرت الوكالة المذكورة عدد المصابين بالسرطان في عام 2012 الميلادي نحو 16000 شخصا، وفي عام 2015 الميلادي حوالي 20000 حادثة مات منهم نحو 16000 شخصا، ونشرت إذاعة “الحرية” في عام 2018 الميلادي في تقرير نقلا عن وزارة الصحة بأن مرض السرطان ينتشر بسرعة هائلة في أفغانستان.
يقال إن عدد مرضى السرطان ازداد بسرعة دراماتيكية بعد القاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغزاكي في الحرب العالمية الثانية.
ويرى الخبراء العسكريون أن الأجانب حولوا أفغانستان إلى حقل للتجارب، حيث يختبرون مختلف أنواع أسلحتهم الخطيرة السامة والذريّة هنا، واستخدام ما يسمى بأم القنابل في أفغانستان نموذج حي لهذه التجارب.
يقول الخبير العسكري “محمد كل مجاهد” في حديثه مع “كابول نيوز”:
بلا شك تحولت أفغانستان إلى حقل للتجارب للقوات الدولية، هنا يجرّبون أم القنابل، ويختبرون كل نوع من أنواع الأسلحة التي يصنعونها، وحتى الجنود الجدد يتم إرسالهم إلى أفغانستان للتدريب العملي، يتدربون هنا ثم يرجعون إلى بلادهم.
و فقا للخبراء لقد تم استخدام “اليورانيوم” بشكل مفرط من قبل أمريكا في “أفغانستان” في حين لم يكترث أحد إلى تنظيفها من مخلفات السلاح ولم يسمح لخبراء البيئة دخول أفغانستان أصلا.
“محمد داود ميراكى” دكتور أفغاني يقيم في أمريكا، متخصص في مجال السياسة والاقتصاد وشخصية معروفة يُدعى إلى القنوات والاجتماعات العالمية وقد أجرى تحقيقا حول استعمال اليورانيوم في أفغانستان وكتب في كتابه «Afghanistan after Democracy» “أفغانستان بعد الديموقراطية”: واضح وثابت تماما أنه قد تم استخدام السلاح المشتمل على اليورانيوم في أفغانستان، وللمرة الأولى استخدمت أمريكا هذه الأسلحة في حرب العراق عام 1991 الميلادي مما أدى إلى انتشار مرض السرطان في البصرة والمدن العراقية الأخرى، وكان الأطفال يُولدون مشوهين خلقيا، كما انتشرت أمراض كثيرة أخرى.
ولما غزت أفغانستان، أثارت مخاوفنا حول استخدام هذا النوع من الأسلحة، ووقع ما كنا نخشى حدوثه، فقد استخدموا هذه الأسلحة، وإنهم الآن يصنعون «Composite Weapons» الأسحلة المركبة، ركبوا فيها اليورانيوم ومواد متفجرة خاصة، ولما تنفجر هذه القنبلة ينقسم اليورانيوم إلى أجزاء وذرات صغيرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ويتنفسها الإنسان مما يحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية.
و يضيف الدكتور ميراكى: أن أفغانستان بحاجة إلى مليارات السنوات لتفادي آثار الأسلحة الكيمياوية.
ويقول خبير آخر للشؤون الصحية “فيض محمد صافي” في حديثه مع “كابول نيوز”:
هذه الأسلحة التي يستعملونها هي أسلحة مبيدة للبشر، هؤلاء يريدون أن يبيدوا المسلمين وخاصة الأفغان من وجه الأرض، هذه أسلحة نووية، هذه الأسلحة تؤثر سلبا على كل حجرة من جسم الإنسان، هذه الأسلحة مسرطنة، وتحدث أمراض القلب، هذه الأسلحة تُسبب الموت، وتشوه المواليد.
ثم يضيف قائلا: وللأسف إن الشعب الأفغاني المضطهد لا زال غافلا.
فيجب على منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية أن تأخذ الأمر بجدية، وأن ترفع أصواتها ضد الظلم، وأن ترسل خبراء البيئة إلى أفغانستان، وتضغط على الاحتلال الأمريكي ليتجنب عن استخدام هذه الأنواع من الأسلحة، وأن لا يتخذ أفغانستان وأهلها حقلا للتجارب.