
السنوار البطل المغوار بين الصمود والقيادة
ضياء بسام
يحيى السنوار هو أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية، شخصية جسدت معاني الصمود والعزيمة، ونموذجاً رفيعاً للتضحية من أجل قضية سامية. وُلِد في قطاع غزة الذي شهد الاحتلال والنضال طيلة عقود، ليكبر ويصبح قائداً عسكرياً وسياسياً في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وليتولى قيادة غزة في مرحلة مليئة بالتحديات. غير أن حياة السنوار، سواء في السجن أو في القيادة، تحمل دروساً عميقة للأمة الإسلامية.
فمسيرته ليست مجرد صفحة في كتاب النضال الفلسطيني، بل هي شهادة حيّة تُجسد معاني الصبر والثبات والالتزام. لهذا، تستحق سيرته الوقوف عندها واستلهام العبر التي تمثل قاعدة أساسية لكل من يسعى لخدمة قضايا الأمة الإسلامية.
١. الصبر والثبات: العزيمة التي لا تنكسر
اعتقل السنوار في الثمانينات، وحُكم عليه بالسجن المؤبد أربع مرات، فظلّت سنوات شبابه تحت قيد الاحتلال، لكنه لم يستسلم للظروف ولم يتراجع عن طريق المقاومة، بل حوّل هذه المحنة إلى فرصة للتطوير والوعي العميق. لقد علمنا السنوار أن الحرية الحقيقية لا تأتي إلا عبر الصبر والتحمل، وأن حياة القائد ليست حياة رفاهية بل حياة تضحية وإخلاص.
فالأمة الإسلامية اليوم تواجه محناً وتحديات متواصلة، ويأتي نموذج السنوار ليؤكد أن الصمود لا يُقاس بمدة الزمن، بل بمدى القدرة على الصبر والمثابرة. إن شهادة السنوار هي دعوة مفتوحة لكل مسلم للثبات في مواجهة الصعاب والالتزام بالدرب الصحيح، مهما طالت المحن أو اشتدت الأزمات.
٢. التضحية من أجل القضية: إخلاص بلا حدود
إن التضحية جزءٌ لا يتجزأ من مسيرة السنوار، فقد تخلى عن سنواتٍ طويلة من عمره، بعيداً عن أسرته ورفاقه، وصبر على السجون الإسرائيلية طويلاً دون أن يفقد إيمانه بمبادئه، ثم عاد بعد الإفراج عنه ليكمل مسيرة الكفاح بروح أقوى وعزيمة أشد. لقد قدّم السنوار درساً في كيفية التمسك بالقيم والالتزام بالقضية رغم قسوة الحياة وظروف السجن.
وهذا الالتزام هو دعوة للأمة الإسلامية لترى كيف أن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بالتضحية والتفاني من أجل الحق والعدالة. إن إخلاص السنوار هو نداءٌ لكل مسلم أن يُقدّم مصلحة الأمة والمجتمع على المصلحة الشخصية، وأن يضع المبادئ والقيم في مقدمة أولوياته.
٣. الإدارة الحكيمة والمتوازنة: التوازن بين القوة والسياسة
بعد خروجه من السجن في صفقة “وفاء الأحرار” عام ٢٠١١، تولى السنوار قيادة حماس في قطاع غزة، وكان عليه أن يقود في مرحلة حساسة تتطلب قرارات حاسمة وتوازنًا دقيقًا بين المقاومة العسكرية والعمل السياسي. وقد أظهر براعة في قدرته على إدارة الأمور بحكمة، موازنًا بين القوة العسكرية والإدارة السياسية، وناجحاً في حماية المقاومة من المخاطر الخارجية، بل وزيادة قوتها وتطوير قدراتها.
ما يُعلمنا إياه السنوار هنا؛ هو أن الأمة الإسلامية تحتاج لقادة متوازنين، يفهمون متطلبات السياسة والحرب، ويحسنون استخدام الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف العليا. فالقيادة ليست مجرد سلطة، بل مسؤولية تتطلب الحكمة والحنكة، وتحتاج لرؤية استراتيجية تجمع بين الصرامة والمرونة.
٤. الدعوة إلى الوحدة والتلاحم: توحيد الجهود
طوال مسيرته، دعا السنوار إلى الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات الداخلية، فقد كان يدرك جيدًا أن الانقسام يُضعف الجبهة الداخلية ويشتت الجهود. وتأكيده على أهمية الوحدة يعكس فهمه العميق بأن القوة الحقيقية للأمة الإسلامية لا تأتي إلا من التلاحم، وأن الفرقة تفتح المجال للتدخلات الخارجية التي تسعى لاستغلال النزاعات لمصالحها الخاصة.
فالسنوار يرسل -عبر مسيرته- رسالة قوية للأمة الإسلامية بضرورة نبذ الفُرقة والعمل على تحقيق وحدة الصف، إذ أن التحديات التي تواجهها الأمة تحتاج إلى تكاتف الجهود وتوحيد الكلمة، وتقديم مصلحة الأمة على المصالح الشخصية أو الفئوية.
٥. الصمود أمام العدو: نموذج للمقاومة والعزة
يحيى السنوار أثبت للعالم أجمع أن الإرادة أقوى من الحديد، وأن الجسد يمكن أن يُقيّد، لكن الروح لا تنكسر. لقد كان السنوار مصدر قلق دائم للاحتلال الإسرائيلي، وأثبت أن المقاومة ليست مجرد كلمات، بل هي موقف وحياة، وأنها قادرة على إرباك حسابات العدو، وإجباره على الاعتراف بقوة المقاومة وأثرها.
من هنا، تأتي عبرة مهمة للأمة الإسلامية، وهي أن الاستقلال الحقيقي يبدأ من الإرادة الصلبة، وأنه لا يمكن لأمة أن تحقق كرامتها وحقها في الحياة إلا عبر المقاومة والثبات أمام الظلم. فالسنوار يعلمنا أن الأمة يجب أن تظل قوية وثابتة، تسعى للحرية دون تراجع.
٦. التعليم والثقافة: بناء الوعي والاستعداد للمستقبل
أثناء وجوده في السجن، استغل السنوار تلك السنوات الطويلة في الدراسة والتعلم، واهتم بتثقيف الأسرى وتطوير وعيهم السياسي والديني. كان يعلم أن القائد الحقيقي هو من يبني جيلاً واعياً ومدركاً، ليس فقط بأهمية المقاومة، ولكن أيضاً بأهمية الفكر والثقافة في بناء مجتمعٍ قوي.
وهنا يُوجه السنوار رسالة للأمة الإسلامية بأهمية التعليم وبناء الوعي، لأن الأمة التي تهتم بتعليم أبنائها وتطوير قدراتهم هي أمة قوية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
خاتمة: الشهادة التي تبقى
إن شهادة يحيى السنوار للأمة الإسلامية ليست مجرد حكاية، بل هي عبرة ودعوة للاستيقاظ والعمل. إننا بحاجة اليوم إلى قادة يشبهون السنوار في صبره وحكمته وإخلاصه وتضحياته، وإلى شعوب تعي أن الطريق إلى الحرية يحتاج إلى الإيمان العميق بالحق وإلى الثبات أمام التحديات.
تلك الشهادة هي رسالة للأمة بأن الطريق صعب، لكن الإرادة القوية تجعل من المحال ممكناً، وبأن التضحيات ليست عبئاً، بل هي بذور تُزرع لمستقبل أفضل. إن الأمة الإسلامية مدعوة لأن تستلهم من هذه المسيرة العظيمة طاقة تدفعها لتحقيق العدل والحرية، وأن تدرك أن القوة الحقيقية ليست في العدد والعدة، بل في الإيمان بقضاياها وفي تماسكها ووحدتها.
شهادة السنوار تُذكّر الأمة بأن عليها أن تقف شامخة، تُعزز من قيم الحق والتضحية، وتبني أجيالاً واعية ومخلصة لقضاياها، حتى تظل حية في الذاكرة وفي العمل. ويكون بذلك السنوار مثالاً يُحتذى للأجيال القادمة، وشهادةً تستمد منها الأمة العزم والإلهام.