
السياسة الخارجية المتوازنة لأفغانستان ومكانة الصين الخاصة
صلاح الدين الأفغاني
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها المشهد السياسي الإقليمي، تبرز السياسة الخارجية لأفغانستان تحت حكم الإمارة الإسلامية كحالة جديرة بالتحليل، لا سيما في ضوء الجولات الدبلوماسية الأخيرة التي شملت دول الخليج، إيران، وأخيرًا الصين.
زيارة وزير الخارجية الأفغاني إلى الصين لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق العام للسياسة الخارجية الجديدة التي تتبعها حكومة كابول؛ فهي تعبّر عن نضج دبلوماسي متصاعد، ورغبة واضحة في تبني نهج متوازن يتجنب الاستقطاب، ويبحث عن بناء شراكات استراتيجية ذات طابع عملي.
قراءة في التحول الدبلوماسي
من خلال التحركات الأخيرة، يبدو أن الحكومة الأفغانية تنتهج سياسة تقوم على مبدأ الفرص بدل المواجهة، وتسعى إلى كسب الثقة الإقليمية والدولية عبر تفعيل العلاقات الثنائية، والابتعاد عن التحالفات الأيديولوجية التي قد تضعف موقعها.
زيارة الصين تندرج في هذا الإطار، حيث التقى وزير الخارجية الأفغاني بنظيره الصيني، وتم خلال اللقاء مناقشة العلاقات الثنائية، إلى جانب عقد اجتماع ثلاثي ضمّ أيضًا وزير الخارجية الباكستاني. هذا الاجتماع الثلاثي يعكس تنامي الإدراك لأهمية التنسيق الثلاثي في الملفات الاقتصادية والأمنية، لا سيما أن التوتر بين كابول وإسلام آباد يشكّل عنصر قلق دائم في المنطقة.
الصين: شريك استراتيجي بصيغة مختلفة
الصين تمثل شريكًا محوريًا في سياسة أفغانستان الخارجية لعدة أسباب واضحة:
- قوة اقتصادية صاعدة: ما يجعلها هدفًا طبيعيًا لأي دولة تبحث عن شراكة تنموية واستثمارية.
- شريك تجاري مهم: العلاقات التجارية بين البلدين تشهد نموًا مضطردًا، خاصة في ظل حاجة أفغانستان إلى شراكات مستدامة.
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية: وهو مبدأ تحترمه الصين، ما يجعلها أكثر قبولًا من قبل القيادة الأفغانية.
- أول دولة بادرت بالتعامل الرسمي مع الحكومة الجديدة: مما يمنح بكين نقطة سبْق دبلوماسي تعزز موقعها في السياسة الأفغانية.
- نقطة تحوّل في العلاقات الثنائية: زيارة الوزير الأفغاني تعتبر لحظة مفصلية في تعميق العلاقات.
- دور محتمل في تحسين العلاقات مع باكستان: فبكين تتمتع بعلاقات وثيقة مع إسلام آباد، ما يمنحها قدرة على لعب دور وساطة إيجابي.
الأبعاد الجيوسياسية والفرص المستقبلية
أفغانستان تجد نفسها اليوم في موقع استراتيجي فريد، فهي تمثل جسرًا بريًا بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى، كما تمتلك ثروات طبيعية هائلة بحاجة إلى استثمار. في هذا السياق، التعاون مع الصين -التي تقود مشروع “الحزام والطريق”- قد يفتح أمام كابول آفاقًا اقتصادية وتنموية واسعة، شريطة أن يتم تأمين البيئة الداخلية، وتحقيق حدّ أدنى من الاستقرار السياسي.
السياسة الخارجية الجديدة لأفغانستان تعبّر عن رغبة في الانفتاح، وتغليب المصالح الوطنية على الحسابات الأيديولوجية الضيقة. الصين، بهذا السياق، تبدو شريكًا مناسبًا لهذه المرحلة؛ فهي تقدم نموذجًا مغايرًا في الشراكة قائمًا على البراغماتية وعدم التدخل، وهو ما يتلاقى مع أولويات الحكومة الأفغانية.
وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن استمرار هذا النهج المتوازن في السياسة الخارجية قد يمنح أفغانستان فرصة لإعادة بناء مكانتها الدولية من جديد، وتجاوز العزلة التي فرضتها عليها عقود من الحروب والتحالفات المتصارعة.