السياسة الطالبانية
غلام الله الهلمندي
خلال مؤتمر صحفي ادعى (حمد الله محب)، مستشار الأمن القومي في إدارة العملاء، بأن قادة طالبان لا يعرفون شيئا عن السياسة. فرد عليه المتحدث باسم الإمارة الإسلامية، ذبيح الله مجاهد ردا لاذعا، فقال: “إذا كانت السياسة عبارة عن الخداع والتزييف والعبودية والوصول إلى الهدف بالطرق المنحرفة، فلا شكّ أن طالبان لا يعرفون عن هذه السياسة شيئا، ولا شك أن إدارة كابول هي المتخصصة فيها.
وإذا كانت السياسة عبارة عن الموقف الشرعي، والمنهج النبوي، والثبات والرجولة، فالطالبان هم روّاد هذا الميدان. قادة إدارة كابول الذين يمتهنون العمالة منذ عشرين سنة يحسبوننا مثل أنفسهم. لو لم يكن مجاهدو الإمارة الإسلامية مستقلّين، ولم يكونوا ممثلي هذا الشعب عن جدارة لارتموا في أحضان المحتلين إنقاذا لأنفسهم من بطش الشعب يتضرعون إليهم كما هو حالكم”.
لأجل ذلك أود أن ألقي ضوءًا سريعًا على مصطلح “السياسة” من منظور الإسلام. ما هو أصل مصطلح السياسة، وما هو معناه وتعريفه؟
السياسة في الأصل مصطلح عربي صميم، فهي مشتقة من فعل “ساس”، “يسوس”، وهي بمعنى حسن التدبير والقيام على الشيء بما يُصلحه، و”ساس القوم” بمعنى أحسن قيادتهم وإرشادهم وتهذيبهم، والسياسة في الإسلام هي تنظيم أمور الدولة والعناية بمصالح وشؤون الرعية في الدنيا والآخرة.
إن السياسة في الإسلام يا سادة صدق وإخلاص وأمانة ونصيحة وعفاف وطهر ووضوح، ووفاء بالمواثيق والعهود وخير وصلاح للبشرية جمعاء. وإنما يتهموننا بأننا لا نعرف عن السياسة شيئا لأننا لا نكذب كما يكذبون، ولا نخادع الشعب كما يخادعونه، ولا ننهب أموال الشعب كما ينهبون أمواله هم وذووهم كما يشاؤون دون حساب أو عقاب، ولا نظلم كما يظلمون، يكذبون جهارًا نهارًا بكل وقاحة، يخادعون الشعب دون حياء، وهم يعلمون بأنهم أكذب خلق الله. هذه هي السياسة في قاموسهم! والسياسي الناجح عندهم هو مَن يعرف من أين تؤكل الكتف، من ينتهز الفرص لمصالحه وتحقيق أهوائه، من يجيد ممارسة الظلم والقهر والاختلاس، مَن يُتقن فن الكذب والخداع والنفاق وتضليل الأمة، ويجيد فن التمثيل وتعدد الوجوه، ويقدر على خداع الجماهير، والسياسة الناجحة عندهم مزيج من الأكاذيب والألاعيب والتناقضات والتنافرات، ولا مكان للأخلاق والطهر في سياستهم، فإنهم عندما يدخلون بوابة السياسة يرمون مباشرة ضمائرهم ووجدانهم جانبًا وربما داخل المزبلة.
إنهم يظنون السياسة مجردة من المبادئ ومن القيم النبيلة ومن مكارم الأخلاق ومن الدين، ومن هذا المنطلق أصبح الكذب لديهم لونًا من ألوان السياسة، إذ لا يستطيع السياسي من منظورهم أن يستغني عن الكذب والنفاق، وبحسب هذا المفهوم الخاطئ ليس الكذب عندهم عيبًا أو حرامًا، وإنما هو من أهم متطلبات مهنة السياسة، فالسياسة عندهم أداة تساعدهم على تحقيق طموحاتهم وأهوائهم، ففي عالم السياسة المزورة يكاد يكون الكذب مرادفًا للحكم؛ فأن تحكم يعني أن تُمارِس الخداع والنفاق والتزوير.
وأما السياسة عندنا فهي علم شريف وعمل نبيل، والتعريف الجامع لمصطلح السياسة في الشرع: “كل ما يصدر من ولي الأمر من أوامر وأفعال تحقق مصالح العباد في الدنيا والآخرة”. وطبعًا لا تتحقق مصالح العباد بالكذب والخداع والنفاق.
والسياسي البارع في الإسلام هو الرجل المحنّك الواعي المتبصر، هو مَن يحارب الفساد والفوضى، ويحارب المنافقين والغشاشين والمرتشين والفاسدين والمحتكرين، ويؤمن الرغيف، ويعزز الاقتصاد، ويوفر الأمن، ويقاتل اللصوص وقطاع الطرق، ويكشف الزيف والكذب، ويستخرج الحقائق ويجلّيها. يدعم الفقير ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. “الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ” (الحج 41).