بيانات ورسائلحوارات وتقاريرموجز الأنباء

السیرة الذاتیة لزعیم إمارة أفغانستان الإسلامیة أمیرالمؤمنین الشیخ هبة الله آخندزاده حفظه الله تعالی ورعاه

 

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله واصحابه ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه اجمعين وبعد!

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ماعاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 23 لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً 24) الاحزاب .

أفغانستان مقبرة الغزاة و منارة العزّ والشهامة و الأمجاد، وهي موطن الأبطال و مدرسة الجهاد والاستشهاد والفدائیة. و إلی جانب صنّاع التاریخ من المجاهدین الفاتحین قدّم العلماء المتبحّرون من الفقهاء و المحدثین و المفسرین أیضاً في هذا البلد أروع الخدمات في مجالات العلم و التعلیم عبرالتاریخ.

إن کان السلاطین المسلمون من أمثال (محمود الغزنوي) و (شهاب الدین الغوري) و (أحمدشاه الأبدالي) قد حکموا الهند و خلّصوا المسلمین من شرّ الظالمین فإنّ الفقهاء و المفسرین و المحدّثین من أمثال الإمام أبي داود السجستاني، و شیخ الإسلام محمد بن محمد بن بکر الخُلمي، و الإمام أبي اللیث السمرقندي البلخي، و الإمام ابن حبّان البستي أیضا أناروا بلاداً من العالم الإسلامي بمصابیح العلم و الفقه والدرایة.

إنّ عائلات معظم النجوم اللامعة للعلم والدرایة والفقاهة في العالم الإسلامي عبر التاریخ کانت قد انتقلت من مختلف مناطق أفغانستان مثل (کابل) و(هلمند) و(هراة) و (بلخ) إلی مراکز الخلافة الإسلامیة في مکة المکرّمة و بغداد و دمشق. وقد قدّم أولئک العلماء خدمات جلیلة للإسلام والمسلمین في مجالات الفقه والحدیث والتفسیر. فنسبة إمام الفقه الإمام أبو حنیفة و نسبة راوي الأحادیث النبویة الشریفة و عالمها المحدّث المعروف مکحول الشامي رحمهما الله تعالی أیضا کانت إلی هذا البلد.

إنّ أولئک العلماء المتبحّرین رحمهم الله تعالی کانوا قد أسّسوا مراکز مشهورة للعلم و التعلیم في أفغانستان، وربّوا فیها مئآت الآلاف من العلماء عبرالتاریخ و قدّموهم لخدمة العلوم الإسلامیة في المجتمعات. و قد بدأت هذه السلسلة من عام 202 للهجرة النبویة الشریفة وامتدت إلی عصرنا الحاضر. و کانت لأفغانستان في هذه السلسلة الدورالعظیم في إحیاء و ترویج العلوم الدینیة، و تقديم العلماء الأجلّاء في علوم الفقة وأصوله، و في الحدیث وعلومه، و کذلک في علم التفسیر و البلاغة و المعاني، وعلميّ الصرف والنحو.

و ما یمیّزعلماء هذه السلسلة في أفغانستان من غیرهم من العلماء هو أنّ أساتذه العلوم الإسلامیة في هذا البلد یقدّمون لطلاّبهم الدروس في الدفاع عن الدین أیضاً إلی جانب تدریسهم لهم العلوم.

إن المعارک التي خاض الفاتحون خاضوا غمارها ضدّ الکفار في داخل أفغانستان و خارجها کان دور العلماء فیها أکبر و أبرز من غیرهم. فعلی سبیل المثال کان فتح السلطان محمود الغزنوي للهند عام 388هـ بترغیب و توجیه من علماء الإسلام. و کذلک کان العلماء علی مناصب علیا في حکومة السلطان شهاب الدین الغوري الذي کان یحکم شبه القارة الهندیة عام 559 هـ.

وفي عام 1160هـ حین ساق الأمبراطور الأفغاني أحمدشاه الأبدالي جیوشه لمساعدة مسلمي الهند کان الباعث و الدافع لتلک الغزوة هي أیضا إرشادات العلماء و توجیهاتهم التي حثّت ذلک الفاتح لنجدة إخوانه المسلمین في بلاد الهند.

وفي عام 1254 هـ حین نهض المجاهدون المقاومون ضدّ الغزو الإنجلیزي کانت قیادة تلک المقاومة الجهادیة أیضا بید علماء هذا البلد.

و کذلک في عام 1357 الهجري الشمسي  حین قام الشیوعیون الأفغان بالانقلاب العسکري بتحریض من الروس، و بعده في زمن احتلال الروس لهذا البلد أیضا کانت قیادة المقاومة الأفغانیة المجاهدة بید العلماء المجاهدین. و فیما بعد کان شرف إقامة إمارة أفغانستان الإسلامیة أیضا کان من نصیب العلماء، والتي کان زعیمها الأول أمیرالمؤمنین الملا محمد عمر المجاهد – رحمه الله تعالی-  و من بعده الشهید الملا أخترمحمد منصور رحمه الله تعالی. و بعد استشهاد الملا أختر محمد منصور اختیر لزعامتها العالم الجلیل أستاذ الأحادیث النبویة الشیخ هبة الله آخندزاده – حفظ الله تعالی – و الذي نقدم للقراء التعریف به ونبذة من سیرته الذاتیة في الأسطر التالیة:

المولد والنشأة:

وُلد شیخ الحدیث المولوي (هبة الله آخندزاده) بن الشیخ المولوي (محمدخان) بن الشیخ مولانا (خدای رحیم) في الخامس عشر من شهر رجب عام 1387هـ في أسرة علمیة معروفة بالعلم و الصلاح و التدین في قریة (ناخوني) من مدیریة (پنجوایي) بولایة (قندهار). و مرّت المرحلة الأولی من حیاته تحت رعایة و تربیة والده العلمیة.

أسرته:

عُرِفت أسرة الشیخ (هبة الله آخندزاده) فی منطقته بالعلم و الفضل و التقوی منذ قرون. یرجع أصل هذه الأسرة العلمیة إلی مدیریة (تخته پل) في ولایة (قندهار) و قد انتقلت فیما بعد إلی مدیریة (پنجوايي).

کان والد الشیخ هبة الله – حفظ الله تعالی- من الشخصیات المعروفة علماً و فقهاً بین علماء عصره في تلک المنطقة، و کان یحظی بمکانة علمیة و اجتماعیة مرموقة في مجتمعه. و کان له دور بارز في التربیة و نشر العلم و الصلاح في منطقته. و کان قد قدّم خدّمات جلیلة في مجالات الدعوة و التبلیغ و التدریس و الإصلاح. و کان رحمه الله تعالی قد ربّی کثیراً من التلامذة لخدمة الدین والدفاع عنه.

وفي 1357 الهجري الشمسي حین قام الشیوعیون الأفغان بقیادة (نورمحمد تَرَکی) و أحکموا سیطرتهم علی السلطة و زمام الأمور، کان الشیخ (خان محمد) رحمه الله تعالی من أوائل العلماء و المجاهدین الذین ثاروا ضدّ الحکم الشیوعي الإلحادي، و وقف خلفه في نهضته الجهادیة تلک عامة الشعب الذین رباهم في منطقة و تأثروا من دعوته، وکان هذا مما أثارعلیه حفیظة الشیوعیین الملحدین، و اعتبروا نهضته تهدیداً لسلطهم. و بدؤوا یخططون لتصفیة الشیخ رحمه الله تعالی، فاقتحموا بیته و مدرسته، إلا أن الشیخ کان قد نجاه الله تعالی من أسرهم حیث کان قد خرج إلی منطقة (ریگ) قبل أن یسعی الشیوعیون للهجوم علیه. فکان الشيخ یواصل تربیة للمجادین و مقاومة الشیوعیین مع المجاهدین الآخرین هناک في منطقة (ریگ).

و بعد أن انتشرت المقاومة الجهادية في قندهار، و ازدادت فيها قوتهم، رجع الشيخ (خان محمد) إلی المناطق الآهلة بالسکان، و استمرّ في خدمته الجهادية والعلمية.

بعد وفاة والده هاجر الشيخ هبة الله مع مئآت الآلاف الآخرين من أبناء بلده إلی باکستان بسبب مظالم الجنود المحتلين الروس الوحشية، و استقرّ في مخيّم (پيرعليزي) للمهاجرين بمقاطعة (بلوشستان) في باکستان بهدف العمل لتحرير البلد و إقامة النظام الإسلامي فيه.

دراسته الدينية:

بدأ الشيخ هبة الله آخندزاده دراسته الدينية الابتدائية والمتوسطة علی والده رحمه الله تعالی، فدرس عليه القرآن الکريم، و متون الفقه الابتدائية، و الصرف، و النحو، والأدب العربي، و علم المعاني، و أصول الفقه. و بعد ذلک توجّه إلی المدارس الدينية المشهورة لدراسة العلوم الشرعية العالية فأتمّ فيها دراسته، ثمّ أکمل دراسة الصحاح و السنن في الأحاديث علی الشيخين المعروفين(الشيخ المولوي محمد جان آغا) و ( الشيخ المولوي حبيب الله). و وضعت علی رأسه عمامة شرف التخرّج عام 1411هـ.

جهاده و کفاحه السياسي:

حين کان الشيخ في المراحل الأخيرة من دراسته کانت خنادق الجهاد في أفغانستان في أَشدّ سخونتها ضدّ القوات الروسية المحتلة، و کان الشباب و بخاصة طلبة العلم الشرعي یشتاقون للحوق بصفوف الجهاد ضدّ القوات الروسية والشيوعية. فکان الشيخ من أولئک الطلبة المشتاقين للجهاد، و کان قد قسّم وقته بين التعلم و الجهاد، حيث کان يذهب إلی جبهة الشيخ الـ(ملا محمد) المعروفة في ولاية قندهار للقتال ضدّ الروس و الشيوعيين في أيام الإجازات السنوية.

کانت جبهة الـ(ملا محمد آخوند) من الجبهات المشهورة في جنوب غرب أفغانستان، و هي الجبهة التي کان يجاهد فيها معظم من أصبحو فيما بعد مسؤولين لحرکة (الطالبان) بمن فيهم أمير المؤمنين الشهيد الملا أختر محمد منصور رحمه الله تعالی، و نائب رئيس الوزراء الملا محمد حسن آخوند. کانت تلک الجبهة تتبع في البداية لمنظمة حرکة الانقلاب الإسلامي للشخ محمد نبي المحمدي رحمه الله تعالی، و فيما بعد ارتبطت بمنظمة الحزب الإ سلامي للشخ محمد يونس خالص رحمه الله تعالی.

کان الشيخ هبة الله آخندزاده من الشخصيات الهامة وجاهة وعلما بين إخوانه في تلک الجبهة. و کان قد اشترک في القتال و الجبهات مع أميري المؤمنين الملا محمد عمر المجاهد و الملا أختر محمد منصور رحمهما الله تعالی، و کان قد أصيب بجرح أيضا في الجهاد. کان الشيخ آنذاک يقوم بتربية المجاهدين و توعيتهم الدينية، کما کان يتولی مسؤولية المرکز أيضا في بعض الأحيان. و کان يؤکّد علی مسؤوليّ المجاهدين في أمر تربية المجاهدين فکريا ضدّ الإلحاد والمعتقدات الضالة الأخری، لأنّ الروس والشيوعيين کانوا يحاربون الأفغان فکريا أيضا إلی جانب حربهم العسکرية. و في کثير من الأحيان تکون المقاومة الفکرية أکثر أهمية و ضرورة من المقاومة العسکرية. و لذلک کان الشيخ يرکز علی التربية الفکرية. و قد قدّم في هذا المجال خدمات ملفـتة للنظر.

يتمتع الشيخ بکفاءة و مهارة فائقتين في تدريس العلوم الشرعية بخاصة في الفقه و أصوله و في التفسير والحديث. و منذ أن تخرّج في عام 1411هـ واصل تدريسه لهذه العلوم إلی الآن إلی جانب جميع وظائفه الجهادية. وقد ربّی کثيرا من طلبة العلم في العلوم المذکورة.

لَقب الشيخ هبةالله بلقب (الشيخ) لباعه الطويل في تدريس الصحاح الستة في علوم الحديث. و يتصل سنده في رواية الحديث بسيدنا رسول الله صلی الله عليه وسلم عن طريق شيخيه الشيخ المولوي (محمد جان آغا) و (الشيخ المولوي حبيب الله).

دوره التأسيسي في حرکة الطالبان:

بعد انسحاب الروس و انهيار الحکومة الشيوعية حين بدأت الحروب الأهلية بين المنظمات،  و تورّط کثير من القادة في تلک الحروب، إلا أنّ الشيخ هبة الله آخوند زاده ابتعد مع بقية إخوانه المجاهدين في الجبهة عن تلک الحروب. و بصفته أستاذا و مرّبيا للمجاهدين في الجبهة اشتغل بالفعاليات العلمية والإصلاحية، ولم يشترک في الاقتتال الداخلي.

و حين نهض المرحوم الملا محمد عمر المجاهد للقضاء علی الحرب الأهلية و الفساد المستشري في البلد، وقف الشيخ هبة الله بصفته أحد الأصدقاء الجهاديين لمؤسس تلک الحرکة  إلی جانبه من بداية تأسيس حرکة الطالبان.

بعد تمکّن حرکة الطالبان من إحکام سيطرتها علی الولايات الجنوب غربية و إحداث التشکيلات الإدارية من قِبَل قيادة الحرکة تأسّست في إطار الحرکة في قندهار المحکمة العسکرية أيضا، و وُظّف فيها العلماء المعروفون  و المتخصصون علی مستوی البلد، و کان من بينهم الشيخ هبة الله آخوند زاده، و الذي کان تعرفه قيادة الحرکة بالعلم و الفقاهة و التقوی من أيام جهاده ضد الشيوعيين.

رئيسا للمحکمة العسکرية:

حين سيطرت قوات الإمارة الإسلامية علی مدينة (کابل) عام 1996م عيُّن الشيخ هبة الله بحکم خاص من أمير المؤمنين رئيسا عاما للمحکمة العسکرية في العاصة (کابل). و بعد ترتيب أمور المحکمة في کابل و إجراء الإصلاحات اللازمة فيها فُوِّضت إليه مسؤولية المحکمة العسکرية للإقليم الشرقي لأفغانستان. و حين رتّب أمور المحکمة في الولايات الشرقية و بخاصة في ولاية (ننگرهار) و عمِل هناک لسنتين عاد منها بحکم أمير المؤمنين إلی کابل و استمرّ في رئاسة المحکمة العسکرية إلی نهاية حکم الإمارة الإسلامية.

لماذا رئيسا للمحکمة العسکرية؟

إن ّ من أبرز ميزات حکم الإمارة الإسلامية کان توفير الأمن المثالي في البلد، و قد اعترف الأعداء أيضا بهذه الحقيقة. و کان لتنفيذ حدود الله تعالی إلی جانب إصلاح النظام التأثير الأکبر في توفير الأمن. و حين قامت الإمارة الإسلامية کانت  تجربة مسؤوليها جديدة في مجالات النظام و الإدارة والأمن و القضاء، و کانت الوسائل و الإمکانيات الأمنية تقرب من الصفر، إلا أنّ الطالبان بتنفيذهم للحدود الشرعية استطاعوا أن يأتوا بالأمن المثالي إلی البلد الذي استمرّت فيه الحرب لعشرين عاما، وقد  اعترف بهذه الحقيقة الصديق والعدوّ.

إنّ الأمن يستتبّ بتطبيق الحدود الشرعية حين يتمّ تنفيذها وفق الشريعة الإسلامية، و لذلک کانت تسعی الإمارة الإسلامية إلی تعيين الأشخاص الأکفاء علی رأس الإدارات العدلية والقضائية من علماء الشرع الذين کانوا يدرکون فلسفة تطبيق الحدود الشرعية و يعرفون تطبيقها في ضوء الکتاب والسنة والتعاليم الشرعية.

إنّ أمر تنفيذ الحدود الشرعية في الإمارة الإسلامية کان مفوّضا للمحاکم الشرعية، و کانت مسؤولية الإصلاح و المؤآخذة  في الجبهات الجهادية و في صفوف القوات الأمنية قد فوّضت بشکل خاص إلی المحکمة العسکرية. فکانت المحکمة العسکرية تقتضي أن يکون علی رأسها شخص يتمتّع بالکفاءة العلمية و التخصصية ليتحمل مثل هذه المسؤولية التنفيذية.

و للتعيين علی الوظائف الهامة کانت الإمارة تؤکّد علی وجود صفتين في الشخص المتعيّن و هما: السابقة الجهادية، و العلم الشرعي.و کان الشيخ هبة الله يتصف بکلتا هاتين الصفتين، ولذلک اختير من قبل أميرالمؤمنين لمثل هذه الوظيفة الهامة. و کان اختيار أميرالمؤمنين للشيخ هبة الله لهذه الوظيفة ينطوي علی المصالح الهامة التالية:

المحکمة العسکرية في العاصمة کابل کانت أهمّ إدارة فُوِضت إليها صلاحية تنفيذ الحدود.

إن تنفيذ الحدود بقدر ما هو مهم و سبب لإصلاح المجتمع، يُحتاج في تنفيذها إلی جههَ منفذة تتحلی بالعلم و الفقاهة والدقَة والتعقل والعاطفة الإنسانية الفياضة. و کان أميرالمؤمنين رحمه الله تعالی قد أحسّ هذه المواصفات في الشيخ، و لذلک فوض إليه هذه المسؤولية. و في کل مرة حين کان يُنفَذ حکم القصاص من قبل قضاة المحکمة الشرعية المتخصصين کان الشيخ يطلب  بنفسه قبل الآخرين العفو من ورثة المقتول للقاتل، و کان يذکر لهم  الآيات و الأحاديث في فضل العفو عن القاتل في الشريعة الإسلامية. و کان يلحّ عليهم في الطلب للعفو عن القاتل، کما کان يستشفع الوجهاء و الشيوخ و العلماء من الحاضرين لمشهد القصاص أن يطلبوا العفو من ورثة المقتول للقاتل. و کان يطلب العفو للقاتل بصفته أحد العلماء و الوجهاء، لا بصفته مسؤلا حکوميا. و بسبب مثل هذه الجهود العاطفية کثيرا ما کان يُعفی عن القاتل من قبل ورثة المقتولين و يحظی بحياة جديدة.

و کذلک حين کان يصدر القضاة  حکما في مرتکبي الجرائم الجنائية کان الشيخ يبذل قصاری جهده البشري في رعاية الأصول والمقررات الفقهية في إثبات الجريمة، و کان يمهّد بقدر الإمکان لدرء تنفيذ الحدّ وفق القاعدة الشرعية (الحدود تندرئ بالشبهات).

فيِظهر مما ذُکر أنّ الشيخ هبة الله حين کان في زمن حکم الإمارة الإسلامية في المحکمة الشرعية کان يقوم بدوره في تطبيق الحدود الشرعية بصفة شخص متعقل بالغ الاحتياط و صاحب عاطفة فياضة، و هو الآن أيضا بتلک الصفات المذکورة  يلتزم بصفته أميرا للإمارة الإسلامية بإجراء الأمور الجهادية و جميع الأمور الشرعية في حدود الشريعة الإسلامية.

دوره الهام في بدء الجهاد مرة أخری ضدّ المحتلين:

 حين هجم الأمريکييون و حلفاؤهم علی أفغانستان عام2001م، و بدأت قيادة الإمارة تنظيم صفوفها من جديد بعد وقفة تکتيکية، کان للشيخ هبة الله دور مؤثر و خاص في هذه المرحلة في الإعداد والجهاد.

في بداية الإحتلال الأمريکي لأفغانستان کان القيام بأي نوع من الفعاليات الجهادية من شبه المستحيل بسبب الملاحقات الأمريکية، فقد قام الشيخ هبة الله مع عدد آخر من الشيوخ والعلماء المجاهدين في تلک الظروف الصعبة الحسّاسة بجهود جبّارة في تنظيم و ترتيب صفوف المجاهدين. کان کل من الشيخ المرحوم غلام حيدر و الشهيد الشيخ عبدالسلام والشيخ عبدالحکيم حفظه الله تعالی شرکاء الشيخ في تلک الخدمة التاريخية حيث کانوا جميعا يدعون الشعب اأفغاني المسلم إلی خنادق المقاومة الجهادية، و کانوا بعلمهم و ببيانهم للقرآن و الأحاديث يرغّبون الناس لإعلاء کلمة الله تعالی و للدفاع عن الدين.

إنّ إنهاض و إعداد الشعب الأفغاني الأعزل الذي نکبته الحروب لمقاومة التحالف الصليبي بقيادة أمريکا لم يکن بالأمر الهيّن، لأنّ هذا الشعب کان قد قدّم بإسم الدفاع عن الإسلام و الجهاد في زمن الاحتلال السوفياتي مليونا و نصف المليون من الشهداء، و هاجر قرابة سبعة ملايين منهم من بلدهم، و کان هناک بالملايين من الأسری والجرحی و المعاقين، إلا أنّ جميع تلک التضحيات ذهبت هدرا بسبب الخلافات و المعارک بين قادة بعض التنظيمات. و أصيب الشعب الأفغاني المجاهد بالإحباط و اليأس. و لکن بفضل جهود الشيخ هبة الله و بجهود إخوانه الشيوخ الآخرين المتواصلة، و بخطبه العلمية واستدلاله الفصيح البليغ انتفض الشعب الأفغاني المجاهد ضدّ الغزاة الصليبيين، و بدأ جهاده بأيدي شبه خالية ضدّ التحالف الکفري العالمي الذي کانت تقوده أمريکا. وقد أثبت الشعب الأفغاني المجاهد خلال هذه المقاومة أنّ الأفغان مهما کانوا ضعفاء و مهما کانت أيدهم خالية من الأسلحة فإنّهم رغم کل ذلک يقومون للجهاد ضدّ الغزاة، و يکونون في ثقة من أنّ النصر في مقابل الباطل سيکون حليفهم ليقينهم بقول الله تعال:(وکان حقا علينا نصر المؤمنين).

إنّ وقوف أمثال الشيخ هبة الله من أهل العزم من العلماء  وراء المجاهدين  و تحريضهم و تأييدهم المعنوي لهم  کان من العوامل التي استطاع بها المجاهدون أن يهزموا التحالف الصليبي العالمي بقيادة أمريکا، و قوات أکبر تحالف عسکري کالأطلسي هزيمة تاريخية بأيدي شبه خالية. و قد عمل الشيخ خلال الخمس عشر سنة الماضية بوظايف مسؤول لجنة الدعوة والإرشاد، و قاضي محکمة التمييز،  والرئيس العام للمحاکم.

نائبا لقيادة الإمارة الإسلامية:

في عام 2016م حين أُعلن من قّبل الشوری القيادي عن وفات أميرالمؤمنين الملا محمد عمر رحمه الله تعالی، عُيّن الشهيد الملا أختر محمد منصور أميرا للمؤمنين، و عُيّن الشيخ هبة الله نائبا له.

کان الشهيد أميرالمؤمنين بموهبته التي وهبها الله إياه صاحب مهارة خاصة في تعيين الأشخاص و المسؤولين. و کان يعرف تقريبا جميع المسؤولين بأشخاصهم، وکان وظّف کل واحد منهم في الوظيفة التي تلائم علمه وکفاءته. وکان من بين أولئک المسؤولين الشيخ هبة الله أيضا، والذي کان الأمير الشهيد قد أدرک کفاءته العلمية و وجاهته الاجتماعية بين المجاهدين، و لذلک اختاره لمنصب نائب الأمير في الهيکل الإداري للإمارة الإسلامية ليُستفاد من کفاءته العلمية والعملية في هذا المنصب العالي. کان الشهيد أميرالمؤمنين موفّقا جدّا في هذا الاختيار، حيث تسبّب تعيين الشيخ في هذا المنصب في توحّد جميع المسؤولين العسکريين والمدنيين و تجمّعهم.

عمل الشيخ هبة الله لعشرة شهور کاملة في هذا المنصب، و قد کانت الإمارة الإسلامية في هذه الفترة تواجه تهديدات شديدة من قِبَل الأمريکيين و حلفائهم.

بعد وفات مؤسس الإمارة الإسلامية اتّخذ بعض الناس موقفا مخالفا للأمير الجديد، فکان في إقناع أولئک الناس وإصلاحهم بالعلم و الدليل دور کبير للشيخ هبة الله حفظه الله تعالی. فبذل الشيخ جهودا کبيره في هذه المرحلة الهامّة من تاريخ الإمارة الإسلامية، و قد اجتمع مرّات بقصد توحيد صف المجاهدين بالعلماء و الوجهاء و مسؤولي المجاهدين، و في جميع هذه الإجتماعات و اللقاءات کان يرکّز الشيخ علی وحدة صف المجاهدين. فکانت نتيجة جهود الشيخ و إخوانه العلماء الآخرين أن حفظ الله تعالی صفّ المجاهدين بقيادة أميرالمؤمنين الشهيد الملا أختز محمد منصور رحمه الله تعالی من التشتت والتفرّق، ووقف جميع أعضاء الشوری القيادي متفقين وراء أمير المؤمنين الشهيد الملا منصور رحمه الله تعالی، و بايعه  ولاة جميع الولايات والمسؤولون المجاهدون و وجهاء الشعب و جميع أطيافه علی دوام الجهاد ضدّ الغزاة الأمريکيين و أعوانهم.

زعيما للإمارة و أميرا للمؤمنين:

حين استشهد أمير المؤمنين الملا أختر محمد منصور رحمه الله تعالی بتاريخ14/8/1437هـ في غارة جوّية لطائرة أمريکية مسِّرة،  عيّن الشوری القيادي باتفاق الآراء الشيخ هبة الله أميرا للإمارة الإسلامية والقائد سراج الدين الحقاني  والمولوي محمد يعقوب بصفة مساعدَين له.

إنّ تعيين الشيخ هبة الله أميرا للإمارة الإسلامية هو العامل والسبب الأهم في تحقق المصالح الجهادية وفي استمرار الجهاد ضدّ الغزاة الأمريکيين وأعوانهم، وکذلک في الحفاظ علی وحدة صف الإمارة الإسلامية. و مع أنّ الشوری القيادي للإمارة الإسلامية کان في أعضائها کثيرين ممن کانوا يحظون بالشهرة العسکرية والسياسية ولکنهم باتفاق الآراء اختاروا لهذه المسؤولية الشيخ هبة الله لمکانته العلمية والجهادية و للحفاظ علی وحدة الصف الجهادي.لأنّ الشيخ يتمتّع بثقة ومکانة کبيرة بسبب المحبوبية الخاصة له في قلوب جميع أرکان و مسؤولي وعامة مجاهدي الإمارة، و قد حباه الله تعالی بصلاحية تجمّع جميع المسولين والمجاهدين حوله.

توجهه المذهبي والفکري:

الشيخ هبة الله عالم مذهبي مثل العلماء الآخرين في أفغانستان، و يتبع المذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة والجماعة. و توجهه الفکري هو اتّباع السنة و منهج السلف الصالح من هذه الأمة. يبتعد الشيخ عن کل التعصبات المذهبية والفکرية والتنظيمية، و يخالف بشدّة البدع والخرافات. و يعتبر وحدة الأمة رمز انتصار المؤمنين الأصلي، و يعتبر التفرق عامل شقاوتهم.

و في المطالعة العلمية للشيخ شغف کبير في سيرة النبي صلّی الله عليه وسلم. ولذلک حين ذهب للحج عام1999م کان في اشتشياق زائد لرؤية المقامات التاريخية المذکورة في السيرة النبوية الشريفة مثل جبل الرماة و جبل (أحد) و ميدان غزوة (أحد) الذي جرح فيه النبي صلی الله عليه وسلّم، و استشهد فيه عمّه حمزة  رضي الله عنه في تلک الغزوة.

بعض خصوصيات حياته:

للشيخ مشخصات خاصة في حياته  العلمية و الاجتماعية، و ينظر إليه جميع مسؤولو و أفراد الإمارة الإسلامية بصفة شخصية جامعة و محترمة، و هذا ما جعله يقوم  بدور هام في جمع شمل المجاهدين في وقت استشهاد أميرالمؤمنين، و کذلک في وقت مبايعة المجاهدين له، و قد بايعه الجميع بالاتفاق ولم يخالفه أحد.

يقوم الشيخ منذ عشر سنوات ماضية علی التوالي بتدريس تفسير القرآن الکريم والأحاديث النبوية الشريفة، و له أعداد کبيرة من التلاميذ في أفغانستان. يتمتّع الشيخ إلی جانب غزارة علمه بالفصاحة و قوة البيان أيضا، والتي تؤهله لإقناع الجهة المقابلة بسهولة.

يتصف بالحزم والجزم في تنفيذ قراراته. هو قليل الکلام ولکن کلامه في وقت الضرورة يکون جادّا ومؤثّرا. و مع أنّه الآن في العقد الخامس من عمره إلا أنّه يعشق التدرّب و الإعداد للجهاد. الطمأنية و الوقار و الرحمة من ميزاته الأساسية. حياته بعيدة عن التکلف، ولا يُری أثر الرفاهية في مطعمه و ملبسه و مسکنه. و في وقت اللقاء يحس المرء کأنّه أخاه الودود أو أستاذه المشفق. يهتم بکل دقة بالأمور الجهادية، و بدل المطالعة و التدريس قد فرّغ الآن معظم وقته لتنظيم وتنسيق الشؤون الجهادية ومتابعتها. انتهی

 

                        جمع وترتيب – قسم التاريخ باللجنة الثقافية

۱۴۳۸/۳/۱۴هـ ق

۱۳۹۵/۹/۲۴هـ ش ـــ 2016/12/14م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى