مقالات الأعداد السابقة

الشعب الأفغاني ترس الأمة الإسلامية

محمد داود المهاجر

عبر القرون والعصور كان الأفغان تُرسا أمام القوى الطاغية، ولعبوا دورًا عظيمًا في الدفاع عن الإسلامِ وبيضته، لاسيما بلادِ الشرق الأوسط، وكانوا سدّا منيعا أمام الطغيان المغولي أوّلا، والأمواج البريطانية المسيحية ثانيًا، والضربات الشيوعية السوفييتية آخِرًا؛ التي كادت أن تبلع الأفغان؛ بل العالم بأفكارها، وحضارتها، وصبغتها الاشتراكية من أقصى يمينها إلى أقصى شمالها والاحتلال الأمريكي حاليا وأخيرا.

ظلّ الأفغان جداراً متيناً يتحمل الضربات، ويتماسك حجَرا حجَرا ليصدّ هذه الأمواج من شهوات السطوة، ومحاربة الدين، وامتلاك الأموال، والعثور على المعادن والمناجم؛ التي لا تعرف الرحمة ولا الشفقة. وقدّم الأفغان أنفسهم أكباش فداء حفاظاً على أفكار الشرق الأوسط الإسلامية وأرواح أهله، وثقافتهم، وحضارتهم الإسلامية التي اختلطت بلحومهم ودمائهم.

لكن الأمر الواقع والمحقّق الذي تجاهله کثیر من الناس ولم يعترفوا به، ولم يوقّروه حق التوقير، هو رفعة منزلة الأفغان، هؤلاء الأبطال من أبناء الأمة الإسلامية، الثابتون على عقيدتهم وشرعهم، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ”؛ أردت أن أفتحَ بابا حول هذا الموضوع وأذكرَ شيئا يسيرا من الغزوَين الأخيرين ومقاومة الأفغان لهما، في بضعة أسطر وجيزة، كي يتضَّح الأمر لنا في أن الأفغان أصحاب فضل وإحسان علينا وعلى جميع الأنام، والعالمُ مدين لجهاد الأفغان.

مقاومة الأفغان للأيديولوجية الشيوعية!

الاتحاد السوفيتي السابق كان من أكبر قوى العالم سياسيًا، إيديولوجيًا وعسكريًا. وبعد سيطرته على بلاد آسيا الوسطى ثقافيا وحضاريًا، بعد جهود غير مسبوقة، ضموا إلى أراضيهم مساحات شاسعة من الأراضي المجاورة، وحشدوا الجيوش والجنود لغزو بلاد الأفغان، وبسطِ هيمنتهم عليها، بعد اتباع سياسة ودّيةٍ في العلاقات، وأحدثوا كوارث بشرية ومآس لم يسبق لها نظیر في التاريخ.

لقد أُجبر الأفغان على القتال ضد الاحتلال السوفيتي من أجل حماية استقلالهم، وفوجئت محاولة الاحتلال بمقاومةٍ صلبة من قبل الشعب الأفغاني، ما اضطر الاحتلال، القوة العظمى آنذاك، إلى الانسحاب وعقدِ معاهدة سلامٍ مع أفغانستان، وقد خرج آخر جندي روسي من هذا البلد في 15 فبراير 1989م.

وبعد كل هذه المعارك الدامية والمقاومة الصلبة والدمار الكبير الذي خلّفته الحرب والتضحيات التي قدمها الشعب الأفغاني بنحو أكثر من مليون شهيد، ومئات الآلاف من الأيتام والأرامل، وتهجير ثلث الشعب الأفغاني، وتدمير البنية التحتية للبلاد بشكل كامل؛ لكن لم يفهم الناس من هذه التضحيات إلا أنه ظفر القوم على أعدائهم وتمت الحرب وحسب!

نعم، الحال كذلك؛ لكنه إذا بدّلنا الأمر على عكسه، أي زحفَ عسكر الاحتلال السوفيتي على أفغانستان ولم يروا من قبل الشعب الأفغاني معارضة، ولا مكافحة ضدهم، وانتشر الفكر الشيوعي، الفكر الهدّام، في أنحاء أفغانستان، فإنها سوف تتعدّى -بالطبع- إلى كل ناحية وصوب؛ فكيف كنتَ ترى البلاد والأمة آنذاك؟!

أجل، إذا أمعننا النظر إلى هذا الأمر المخيف، المثير للدهشة، لوَجدنا عالَما غير ما نحن فيه؛ عالَما شاعت فيه الفكرة الهدّامة للأخلاق والإيمان؛ وانتشرت الشيوعية واللادينية في أنحاء البلاد. لَكُنّا نرى الأولاد والبنات غير مؤمنين بالله والآخرة! غير موقنين بإله يعبدونه أو كتاب يتمسكون به ولا يعتقدون إلا الإباحية والاشتراكية في المال والنساء والممتلكات! ويُشيعون الفواحش والمنكرات!

لكانت آنذاك خسائر فادحة وكبيرة -يتعذر إصلاحها- في أمة الأفغان؛ بل في العالم بأسره ولاسيما بلاد الأسيا الوسطى!

كادت أفعى الشرق تبتلع العالم والشرقَ الأوسط برمته وتجعله لقمة سائغة لها، لولا دفعُ اللهِ الناس بعضهم ببعض، ولولا دفعَ اللهُ الاتحاد السوفيتي بأيدي مجاهدي الأفغان المسلمين!

لقد اختار الله هذا الشعب الأبي والفقير لدفع عواصف الإشتراكية وقطع دابرها من الأصل والأساس، بما فضّل الله عباده بعضهم على بعض.

دعونا نلقي نظرةً على البلاد التي لم تزل تسيطر عليها الشيوعية والفكر الاشتراكي، هل تشربت الصبغة الدينية على أصولها وتؤتي أكلها كل حين؟ أم درست آثارها وخبت أنوارها تحت ظلام الكفر والإنكار واللادينية؟
والجواب معلوم عندما تأتون مدُنا كبخارى وسمرقند، والتي كانت يوما مصدرا للعلم والحديث، مركزا للفقه والطب! وقد خبت أنوارها ولم يبق منها اليوم إلا الجدران والبيوت الخاوية على عروشها.

مقاومة الأفغان للاحتلال الأمريكي

قامت الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين في تاريخ ٧ أكتوبر ٢٠٠١م بحملة شرسة، حيث شنّت هجوما شديدا على شعبنا المسلم الأفغاني بذرائع واهية، كمكافحة الإرهاب!

لكن الحرب اندلعت والإمارة الإسلامية (أبناء الشعب الأفغاني) نهضوا وقاوموا ضد الاحتلال الأمريكي طيلة عقدين من الزمن، وكانت أيام صعبة وحرجة، ولكنهم صبروا وصابروا، حتى ألجؤوا الغزاة وأجبروهم على القعود خلف طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب والاحتلال.

لقد كانت حرب أفغانستان أطول الحروب التي شنتها أمريكا على البلاد تدخّلا؛ حيث انهزمت فيها أمريكا هزيمة نكراء، لم يسبق لها مثيل.

ضحّى الشعب الأفغاني بالنفسَ والنفيس، الرخيصَ والغالي ولم يألوا جهدا لدحر الاحتلال الأمريكي عبر تسع عشرة سنة. تيتّم في تلك السنوات آلاف من الأولاد، حيث فقدوا آباءهم وأمهاتهم تحت وابل من القذائف والصواريخ الأمريكية، وترمّلت فيها آلاف من النساء اللاتي لا بواكي لهن ولاحول لهم ولا قوة إلا بالله.

يعجز البنان أن يسطر روعة تضحيات شباب الأفغان وطاعتَهم للأمراء ورميَ أنفسهم في خضم المعارك وخطوط النار الأولى. فعَجبا لشأن هذا الشعب المختار البطل! عجبا لهؤلاء الفقراء البواسل! كم لهم من مِنَن علينا وامتنان! فكلما تطلّع محتلّ بعيني طمع؛ وجد من قبل هذا الشعب الواعي سهما، بل أسهما بين عينيه! وجعل من أبنائه أتراساً لحماية الدين والأرض حيالَ السيوف المسلولة والخناجر المسمومة التي سُلّت علينا ظلما وجورا. فجزاهم الله عن الإسلام وأمّتِنا خير الجزاء.

الفـجر الباسم قادم *** من قلب الليل الجـاثم
وربـيـع الأمــــة آتٍ *** من بـعد شــتاء قــاتم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى