شهداؤنا الأبطالمقالات الأعداد السابقة

الشهيد تور بلال

بقلم: المولوي محمد إسماعيل

في أول أیام التحاقي‌ بصفوف النزال في خاشرود، كان کثیراً ما یطرق سمعي اسم أحد المجاهدين وکنت أسمع عن شجاعته وبطولاته، فأحببت لقاءه، وکنت مشتاقاً لرؤیة عبقريّ تصوّرته وصنعته في ذهني.

وبعد مضيّ أیام نلتُ ما کنت أتمنی، فجاء البطل إلی قاعدتنا، کان رجلاً أسود اللون، مجعّد الشعر، وجسمه مع کونه متوسطاً إلا أنه کان صلباً قویاً، وکان لدیه دراجة ناریة وملابسه کانت مغبرّة لکون الطریق وعراً .

وعندما نزل علينا أکرمه القائد وأعزه، کما هو شأن القائد المسلم المجاهد فإنه لا ینظر إلی لونه هل هو أسود أم أبيض، ولا إلی جنسیته، ولا إلی ماله هل هو فقير أم غني. وکان ذلك اللقاء هو أول لقائي وسلامي عليه، فلم يكن يفرق بین أخ معروف وأخ مجهول، وساوی بين الکل في السلام والمعانقة.

بعد أن أخذ عدته وعتاده، ودّعنا ورکب دراجته الناریة ورجع إلی مکانه (خط النار الأول). وبعد ذهابه سألتُ المجاهدین القدماء بخاشرود أن یعرّفوه لي، فقالوا: هو مجاهد مهاجر، ومع کثرة بطولاته فهو لیس بكبير في العمر، وسُجن في صغره عدة سنوات في باکستان، وقبل أن یعرف هذه الساحة المبارکة کان مع الأوغاد والأوباش فهداه الله لما هداه ووفقه لما وفقه وهو منذ سنتین في ساحات القتال ولم یذهب إلی بیته ولو مرة واحدة.

 کانت الأیام تمضي بعضها إثر بعض، وبمضيّ الأیام کنت أزداد به معرفة، وبالمعرفة حباً. والناس لم يكن لهم بد من محبته، فالذي یحبه الله یحبه کل الخلائق؛ وکان حبّه -رحمه الله- بین الناس شائعاً، وبمکثه الطویل عند الإخوة المجاهدین الأفغان کان یعرف لغة البشتون ویتکلم بها، فازداد حبه بین الأفغان وأحبه الصغیر والکبیر، وصاروا یشیرون إلیه بالبنان ویقولون هاهو بلال هاهو بلال.

وبشجاعته وقوته مع خفة جسمه کان دائماً في فئة مقاتلي الصف الأول مع سلاحه الفرید (البيكا) الذي قلّ مثيله، فالبندقیة کانت فریدة کصاحبها الفرید.

ومن أخبار بطولاته أنه کان حاذقاً في القنص بالقناص الروسي، ولهذا کان یذهب في الأسبوع مرات عديدة إلی قواعد العدوّ ویقترب من قواعدهم إلی آخر حد یمکنه فيه الاقتراب، وینتظر ساعات حتى تحين له فرصة القنص، وبهذا سلب الاستقرار والهدوء من العدو وأذاقهم من أشد أنواع الخوف والعذاب. ومما سمعته بخبر یقین أنه قتل اثنین وجرح آخراً في یوم واحد .

کان رحمه الله شدید الطاعة للأمراء ولدي نموذج رائع من ذٰلك، کان مشهوراً ومعروفاً عند المجاهدین والعوام بـ “خوشبـو” أي ذو الریح الطیب، فأمره أمیره بتبدیل اسمه إلی بلال، فأطاع کدأبه وأحسن الإطاعة، فبدأ یغضب إن ناداه أحد باسمه السابق، فاعترض علیه البعض بأن في قاعدتکم بلال آخر غيرك، ویختلط علینا أمر البلالین. فقال سموني تور بلال، والتور في الأفغانیة بمعنی الأسود أي سموني بلال الأسود كي لا یختلط علیکم أمر البلالین، وبهذا لم يدع مجالاً بأن ینادیه أحد باسمه الذي بدله أمیره .

وکان -رحمه الله- شدید الصبر علی البلاء وعلی نوائب الحرب وصعوباتها. وكان حاذقاً في العبوات الناسفة. وکم من أیام مضت وهو في حر الظهیرة ینظر في منظار بندقیته لیقنص عدواً من أعداء الله، وینتظر ولو طال انتظاره من الصباح الباکر إلی المساء. وکم من لیال مضت وتور بلال جالس بقرب قواعد العدوّ يزرع العبوات ولا یخاف في الله لومة لائم .

فرحمك الله وأسكنك فسیح جناته، وإن کنا حریصین علی مکثك بيننا، لکن قدر الله ما قدر، وذهب بك ید التقدیر بعبوة، ولعلها کانت مما زرعته بنفسك فکانت بها شهادتك.

نسأل الله أن یجعلك مع من سُمیت باسمه؛ سیدنا بلال بن رباح رضي الله عنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى