الصمود تدخل عامها العاشر
أعوامٌ عشرٌ أمضتهن “الصمود” -مذ وُلدت- في رحلتها الإعلامية-الجهادية بمعيّة رفيقاتها البشتونيات الثلاث (څرک، وشهامت، ومورچل)، ورفيقتها الدرية (حقيقت)، ورفيقتها الأردية (شريعت)، وسط بحرٍ متلاطم عجّ بالغثّ والفاسد من الإعلام المأجور الذي تخلّى عن شرف الحياد الإعلامي وعن أمانة العمل الصحفي مقابل حفنة من دولارات يُلقيها في جيبه المحتل الأجنبي بين الحين والحين. حملت “الصمود” خلال هذه السنين العشر مهمة إيصال الصورة الحقيقية والواضحة للجمهور العربي لما هو عليه حال الجبهات الجهادية المشتعلة منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة في أرض أفغانستان، كما حوَت بين طيّاتها: التحليلات السياسية لآخر التطورات على مسرح الأحداث في أفغانستان، والحوارات المميزة مع مسؤولي الإمارة الإسلامية ومجاهديها وقادتها العسكريين، والسير العطرة والمنارات الوضّاءة للشهداء الأفذاذ الذين ارتقوا صابرين ثابتين محتسبين مخلصين، والتقارير العسكرية والإحصائيات الشهرية للعمليات الجهادية وللمظالم التي تقترفها عصابات الإجرام المحتلّة وعملائهم بحق الشعب الأفغاني المسلم. كما لم تقتصر موضوعات “الصمود” على الطرح السياسي والجهادي، بل لقد شملت كذلك الطرح الإسلامي الدعوي الذي يُغذّي الروح ويصقل النفس ويرقّق القلب، والطرح التاريخي الذي يذكّر أبناء الأمة بماضيهم المجيد ويحثهم على اقتفاء أثر من سلف من القادة المسلمين العظماء النجباء.
لم تكن “الصمود” حروفاً مجرّدة من الحياة، بل هي كل أم حنون أحيت ليلها مبتهلة بالدعاء لابنها المجاهد الذي فرّ من حضنها استجابةً لداعِ الجهاد وطمعاً فيما عند الله من ثوابٍ وخيرٍ جزيل، هي كل أسير وهنت أغلال الظالمين في يديه وما وهن عزمه وما لانت همّته ولم يتسرّب اليأس إلى روحه، هي كل صغيرٍ أدمى حقد المعتدين جسده النحيل وابتلّت ثيابه بنهر من دمائه، هي كل يتيم سلبه الطغاة حنان والده ودفء أحضان والدته، هي كل زوجة ودّعت زوجها في قافلة الشهداء صابرة محتسبة تُرجّي لقاءه في حياةٍ عُلْويّة تحت ظل عرش كريم قدير. هي كل مجاهد ترعاه عين الله من فوق سبعٍ طباق انطلقت من قلبه ثم من حنجرته “وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى” ترافق قذيفة أطلقتها يمينه لتُصْلِي معتدٍ كفور بِحَرّ لظاها في الدنيا قبل الآخرة. هي الأمل مازال يتعارك فيه اللام والميم حتى يسبق اللامُ الميمَ حيناً ويسبق الميمُ اللامَ أحاييناً.
على الجبال الصخرية في أفغانستان تسير جبالٌ بشرية، تخفض سحائب السماء رأسها خجلاً واحتراماً لقممها؛ فالسحب تعلم جيداً أنّه ثمة من يطاولها في الارتفاع قدراً وإيماناً وعملاً وتضحيةّ، وتعلم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد ادّخر تلك الجبال وأعدها لحمل الأمانة التي ضيّعها المسلمون عبر القرون المتطاولة بلهوهم وغفلتهم وانشغالهم عما أمر، أمانة رفع كلمته وإقامة شرعه على هذه البقعة الطاهرة التي روّاها نجيع الشهداء العاطر الزاكي طيلة أكثر من ثلاثة عشر سنة دون كلل أو ملل.
وقريباً جداً بإذن الله نلتقي بكم من خلال “صمودنا” لنزيّن صفحاتها وقلوب قرائها بتكبيرات النصر المبين، لنحكي لكم عن قصة اندحار للغزاة جديدة، عن مقبرة ضمّت رفات جيفة إضافية إلى جانب جيفتين إنجليزية وسوفييتية، عن قصة صمود وبذل مدادها دمٌ كريم وصبرٌ عظيم وثباتٌ يداني ثبات الجبال الراسخات، عن قصة تضحية وفداء لم نرَ لها مثيلاً قط إلا في سير صحب رسول الله الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفيمن عاش في ذلك العهد النبيل، لنحكي لأجيال المسلمين كيف أن الإيمان الخالص بموعود الله سبحانه وتعالى هزم أكبر تجمّع للطغيان والهمجيّة عرفته البشرية في التاريخ الحديث.