مقالات الأعداد السابقة

العالمية الإسلامية في مواجهة العولمة الحالية – الحلقة الثانية

سبق أن تحدثنا عن مفهوم العولمة وأنواعها، والآن نتطرق بتوفيق الله إلى مظاهر العولمة ووسائلها وأخلاقياتها وغاياتها.
1. مظاهر العولمة:
لعل أبرز مظاهر العولمة هي ما يتبدّى لنا غالباً عن طريق التطورات المدهشة التي تعرّفها مجالات الاتصال والتواصل عبر الأقمار الصناعية والحاسوب والإنترنيت، وذلك على النحو التالي:
1- عمق التأثير في الثقافات وفي السلوك الاجتماعي وفي أنماط المعيشة.
2- اتساع دائرة الخيارات الاقتصادية بواسطة حركة الاستثمارات الدولية والأسواق المفتوحة، وتضييق دائرة الخيارات السياسية من حيث تضاؤل القدرة على الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، ومن حيث تزايد معطيات التداخل الاستقلالي سياسياً.
-3 التطورات المعلوماتية والعلمية وتطور الاتصالات، وهذه هي المرحلة الثالثة التي مرّ بها العلم، ولا سيّما علام الكمبيوتر الذي تضاعف إلى ألف ضعف فأكثر عمّا ظهر عليه في عام 1946م وظهر فيها مجال الهندسة الوراثية والاستنساخ وقد سبقها مرحلتان:
إحداهما: بداية التطور الصناعي في أوروبا وبخاصة في بريطانية في القرن السابع عشر.
الثانية: التطور العلمي خلال القرن العشرين وبخاصة في أمريكا.
-4 نمو ما أصبح يعرف باسم القطيع الإلكتروني (ELECTRONIC HERD) من مؤسسات متعددة الجنسيات، وحتى من أفراد يبحثون عن الربح ويؤثرون في قرارات الدول وفي مصائر شعوبها.
-5 انتشار منشورات شركة وولت ديزني الفكاهية والقصصية، وجذبها للزوار من جميع أنحاء العالم، حيث تطبع كتبها فيما يقرب من (27) لغة عالمية وقدر عدد مشاهدي أفلام ديزني في مختلف أنحاء العالم بحوالي (240) مليون مشاهد.
-6صناعة الرأي والتحكم في أنظار الجمهور ومعرفة ميولهم واتجاهاتهم فقد بلغ مجموع الإنفاق على الإعلان في أمريكا عام 1972م ما يقرب من (23) بليون دولار، وقدر ما أنفق على التلفزيون القومي والمحلي بما يقرب من (4،1) بلايين دولار، والإذاعة (1،5) بليون دولار.
أما الصحف والمجلات فقد بلغ مجموع ما أنفق عليها (8،4) بلايين دولار وصارت الهيمنة واضحة في الجوانب الاقتصادية، وفي الوسائل الثقافية معاً، بسبب هيمنتها على وسائل الإعلام العالمية، ومكنت هذه الوسائل الثقافية من هيمنة الدولة واختراقها الخصوصية الحضارية لشعوب العالم، ومن المعلوم أن وسائل الإعلام الغربية تسعى إلى تمجيد القوة والمنافسة ونشر الثقافة الاستهلاكية وتحرير الرغبة من كل القيود وإيجاد أهداف جديدة للمجتمعات الإنسانية.
-7التطور في عالم الاتصالات مما ساعد على نمو الشركات وازدهارها وانتشارها في العالم وصارت خيراتها تصب في عدد من الدول.
-8تسخير أدوات العولمة بكيفية تمكن منتجي هذه الأدوات من الطغيان على المستهلكين والمتعلقين بحيث تؤثر في إلغاء لغاتهم الخاصة وفي طمس هوياتهم الوطنية.
2. وسائل العولمة:
تحاول العولمة تغريب العالم بوسائل مختلفة منها:
-1التحكم في مسار تطور البنى التقليدية بالقدر الذي يسمح بتصرف منتجات الدول الرأسمالية الكبرى، والبحث عن أسواق جديدة وتشجيع الثقافة الاستهلاكية.
-2العمل على تغريب الثقافات الوطنية بواسطة قوى الإعلام والتقنية الجديدة وانشار التوكيلات التجارية في أسواق الخليج وغيرها.
-3توظيف العلم للاختراق الثقافي بهدف طحن الهوية الوطنية والهيمنة على الثقافة كمّاً وكيفاً، ووتقليد مناهج الغرب في مفردات المواد الدراسية دون النظر إلى حاجات السوق المحلّية، مما جعل أكداساً من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل، وأوجب إعادة النظر في بعض المناهج لتتناسب مع حاجة السوق المحليّة التجارية والصناعية؟
-4دعم سياسة المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتشجيعه على الخصخصة في العالم واتباع سياسة السوق الحرة، وأدّى هذا مشاركة الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية في رأس مال الشركات في الدول الفقيرة.
-5نقل الصناعات التقليدية من المراكز الرأسمالية إلى أسواق العالم الثالث حيث تكون الأيدي العاملة رخيصة وهذا على المدى الطويل يعود بالنفع على الشركات العالمية.
وهناك عدة ترتيبات تقوم بها الدول العظمى للسيطرة على دول العالم الثالث ومنها:
-aالتحول الدولي السريع إلى مرحلة التكتلات العملاقة.
-bتحقيق التعاون بين دول الشرق الأوسط ومنتدى البحر الأبيض المتوسط.
-cمحاولة تسلسل إسرائيل إلى الشركات الاقتصادية العربية، وإيجاد معادلة جديدة لشرق أوسط جديد.
-dإلحاق دول المغرب العربي بالمغرب، وإلحاق السودان والصومال بالدائرة الإفريقية.
3. أخلاقيات العولمة بالمفهوم الغربي
يعارض كثير من مجتمعات الغرب والشرق نظام العولمة، لأنها مظهر جديد واضح المعالم من الاستعمار بمفهومه الاقتصادي العلمي ، ومن المعلوم أن الاستعمار إذلال سياسي، ونهب اقتصادي، وطمس معالم الخصوصية الثقافية، وبالنسبة لنا محاولة لإلغاء الهوية الإسلامية أو تشويهها و أمركتها وخلطها بمذاق عادات الغرب و تقاليده ولم تكن الحربان العالميتان الأولى و الثانية إلا تجسيدا لصراع بين دول قوية مستعمرة مستفيدة، ودول ناشئة تريد النمو الاستقلال وإذا تمخضت هاتان الحربان عن ميثاق عصبة الأمم، ثم ميثاق الأمم المتحدة، فإن هذين الميثاقين يحملان أفكارا وإرشادات وأطماع الدول الغالبة، وإبقاءمناطق النفوذ والسيطرة للأقوياء المنتصرين .
يتضح لنا من هذا أن أخلاقيات العولمة تتمثل في كونها مادية طاغية ومنطلقة من فلسفة ملحدة علمانية ،لاتعرف الإيمان بالله الخالق الواحد ،وعنصرية بغيضة لايهمها إلا ذاتيتها بالإضافة لعنصرية الصهاينة وعولمتها ذات الأهداف التخريبية والإفساد لمعظم المجتمعات البشرية ،وتنبع من نزعة شرسة واستعلاء وغطرسة لاحدود لها ، وتحررأوتنصل من كل القيود الإنسانية والأخلاقية وإلغاء لوجود الآخرين دينيا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا، واقتصاديا وسياسيا ، وتجاوز كل مايعرف بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أوالإنتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ،أي أن العولمة ، هي مرحلة بعد الإمبرالية في حياة الرأسمالية العالمية المعاصرة وهي تسعى من طريق التكتلات الإقتصادية للدول والشركات إلى فرض الهيمنة وتحقيق التبعية التامة للنظام الليبرالي .  
4.غايات العولمة وأهدافها
إن أحدا منا لايجادل في أن  ثمة شواهد كثيرة تشير إلى أن قوى العولمة المعاصرة ليست سوى امتداد عضوي إيديولوجي لقوي الاستغلال والسيطرة والإحتواء ، وتعمل على تكريس التبعية من جانب الدول الأقل نموا لتلك الأكثر نموا، وإن كانت أليات تكريس التبعية قد اختلفت في ظل العولمة من الاستعمارالتقليدي، إلى اللجوء لسياسة الضغط الإقتصادي، فهذه حقيقة لاسبيل إلى إنكارها ولكن هل تقف مسوؤليتنا عند هذا الحد، وهو الجهر بهذه الحقيقة، أم أن المسوؤلية تمتد و تتشعب وتتواصل؟
إن المنهج في بحث ظاهرة العولمة، هو إلى الوصف التحليلي والنقد السياسي من منطلق إيديولوجي، أقرب منه إلى المعالجة العملية المستنيرة المبرأة من كل هوى سياسي أو إيديولوجي، ولذلك كان من السلبيات التي وقع فيها معظم من عالج قضية العولمة من خلال هذه المنهج، العزوف عن الموضوعية المجردة تحت تأثير الشمولي الذي كان يسود في عهود القطبين الأكبرين في زمن الحرب الباردة.
وخلاصة القول إن العولمة تهدف حاليا إلى هيمنة القطب الوحد على العالم كله و بخاصة على العالم الثالث سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا واجتماعيا.
فالعولمة تهدف إلى عالمية الأمر ولو قسرا ومن غير تدرج، واقتحام المجتمعات والشعوب والدول اقتحاما دون تحضير، وتطويق هذه المجتمعات، بحيث لا يمكن لأحد أن يعزل نفسه عنها أو البعد عن تأثيراتها
وبالتالي فرض منطق الغرب و ثقافته وعاداته وتقاليده وتصدير أنظمته الديموقراطية والمعلوماتية، وفتح أسواق جديدة أمام منتجاته و سلعه الإستهلاكية، والحرص على زيادة الثراء و الغنى على حساب الدول الضعيفة أو الفقيرة وإبقاء الهيمنة الأمريكية ذات القطب الواحد على العالم بأسره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى