العالم الغربي وحقيقة مكافحة الإرهاب والمخدرات في أفغانستان
في 2001 حشدت أمريكا الغرب برمته، وجمعت جيوش الدول الموالية لها بعددها وعتادها، واستنفرت حلفاءها لمحاربة أفغانستان تحت مسميات عديدة، منها: محاربة “الإرهاب” ومكافحة المخدرات.
وتبين لاحقا أن محاربة “الإرهاب” كانت مجرد غطاء لتقوية الإرهاب الحقيقي وتغذيته وتعزيز مصادره لإخضاع الشعب الأفغاني وكسر شوكة مقاومته الباسلة التي واصلت القتال تحت قيادة الإمارة الإسلامية لعشرين عاما ضد المحتلين وعملائهم.
وإذا ألقينا نظرة سريعة إلى الوجود الأمريكي خلال العقدين الماضيين في أفغانستان، سنصل إلى نتيجة مفادها أن أمريكا هي التي مارست الإرهاب ضد شعب أعزل لا يريد إلا العيش بحرية وكرامة، ولا يستسلم للإرادة الغربية. فأي إرهاب أعظم وأكبر إجراما وأكثر وحشيةً من إرهاب وإجرام أمريكا ووحشية حلفائها الغربيين الذين تحالفوا معها لقتل الأفغان، وساندوها في إبادتهم وتدمير بلدهم وتخريب ديارهم وقتل أطفالهم ونسائهم؟! فالتحالف الغربي قتل مئات الآلاف من الأفغان في هذه الفترة من خلال قصف مآتم العزاء، ومحافل الفرح والأعراس، واستهداف المساجد ومقرات العبادة ودور العلم ومراكز الدراسة والمستشفيات ومقار الصحة والمزارع والحقول الزراعية كما قام بتشريد وتهجير الملايين خلال عشرين عاما.
وأثناء العقدين الماضيين أنشأت أمريكا وحلفاؤها مليشيات إرهابية وحشية فتكت بالآلاف من الأفغان وقتلتهم بدم بارد وبكل وحشية خلال مداهمات ليلية وعمليات القصف العشوائي والخطف والتدمير، كما أن هذا الاحتلال دعم مجرمي الحرب أمثال عبد الرشيد دوستم والجنرال عبد الرازق وغيرهما ممن تلطخت أياديهم القذرة بقتل مئات الأسرى، واتهموا بتعذيب الشباب الأبرياء والتنكيل بهم في سجون سرية، كما أُدينوا في قضايا الاغتصاب، والخطف، والقتل خارج نطاق القانون، وإيذاء الشعب وسرقة ممتلكاتهم واغتصاب حقوقهم.
هكذا كانت صحفات الاحتلال الأمريكي مليئة بالجرائم والانتهاكات من إجرام إلى آخر، فهذا الاحتلال هو الذي دعم تنظيم داعش الإرهابي الخارجي المارق بقوة في حوادث تفجير مساجد المسلمين في أفغانستان وقتلِ شيوخهم وشبابهم وأطفالهم، واستهدافِ مقاوميهم ومجاهديهم، كما أنه مهد لهذا التنظيم الإجرامي الطريقَ أمام تنفيذ أجندات شيطانية ومخططات مشبوهة، وأغدق عليه المال، كما أقدم على تسليحه وتجنيد مقاتلين له، بل وأنقذ مقاتليه مرات عديدة من الحصار خلال المعارك مع قوات الإمارة الإسلامية.
أمّا المخدرات فقد استطاعت الإمارة الإسلامية إبان حكمها الأول قبل 2001 من تطهير أفغانستان بالكامل من المخدرات في إطار حملتها الواسعة للقضاء عليها، بعد صدور قرار من أمير المؤمنين الملا محمد عمر -رحمه الله- بحظر المخدرات في البلاد، ونُفذ القرار بشكل حيّر العالم مما أدى إلى انتهاء أزمة المخدرات في البلاد آنذاك. وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عادت أزمة المخدرات تتصدر المشهد من جديد حيث أغرقت أمريكا وحلفاؤها البلاد مرة أخرى في مستنقع المخدرات، وكانت الإحصاءات أظهرت إدمان الملايين بينهم أطفال ونساء للمخدرات.
ورغم إنفاق أمريكا المليارات على عملية مكافحة المخدرات إلا أنها لم تستطع القضاء عليها، وانتشرت ظاهرة الإدمان بكثافة، بل هناك اتهامات موجهة لها بأنها دعمت زراعة المخدرات في أفغانستان.
قضية المدمنين تعتبر من أسوأ القضايا التي تعاني منها أفغانستان منذ عقدين، وهي أزمة فشلت الحكومات المتتالية -إبان الاحتلال الأمريكي- طيلة عشرين عاما في احتوائها والقضاء عليها، وبلغت ذروتها في الأيام الأخيرة للاحتلال؛ الأمر الذي وضع علامة استفهام على حقيقة الجهود التي أعلنت تلك الحكومات أنها تبذلها في معالجة هذا الملف.
فقد كانت نسبة ضئيلة جدا من الأفغان أدمنوا المخدرات قبيل 2001 أي قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان، وكاد قرار الملا محمـد عمر رحمه الله بشأن منع وحظر جميع ما يتعلق بالمخدرات زراعةً وبيعًا واستهلاكًا أن يودي بالمخدرات لولا الغزو الأمريكي لأفغانستان.
وبعدما اجتاحت القوات الأجنبية بقيادة الجيش الأمريكي أرض أفغانستان عام 2001 بحجة محاربة “الإرهارب” والقضاء على المخدرات، واضطرت الإمارة الإسلامية إلى الانحياز إلى الجبال لإعادة ترتيب الصفوف لقتال ودحر الاحتلال وتحرير البلد؛ عادت ظاهرة الإدمان تفتك بآلاف الأفغان، وهذه المرة أشد فتكا وأكثر انتشارا، حيث تفاقمت بشكل كبير وأصبح الأطفال والنساء ضحايا هذه الأزمة لأول مرة في تاريخ أفغانستان.
جسر “بل سوخته” اشتهر أيام الاحتلال الأمريكي كـوَكْرٍ أساسي لمدمني المخدرات، ويقع غربي العاصمة الأفغانية كابل، حيث سمي بـجسر الموت، وكان يُعتبر الوكر الأشهر للإدمان لفترة طويلة، كما كان هذا الجسر وسط العاصمة على مرأى ومسمع من السلطات الأفغانية العميلة والجنود والمسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يقطنون كابل في تلك الفترة، وتعود الذكراة بالأفغان حين يُذكر هذا الجسر إلى النهايات المأساوية لحياة آلاف الشباب والقصص والحكايات التي يندى لها الجبين.
وزعمت الولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها الموالية في أفغانستان أنها أنفقت مليارات الدولارات على ملف المخدرات والقضاء على تجارتها ومعالجة الإدمان، إلا أن الواقع يناقض ادعاءاتهم، ففي فترة تواجد الأمريكان ارتفعت نسبة الإدمان ووقع ملايين الأفغان في هذا المستنقع المر.
وبحسب الإحصاءات الحكومية والأممية فإن عدد الذين أدمنوا المخدرات في أفغانستان بلغ 3.5 ملايين مدمن، 40% منهم من النساء، في حين يشكل هذا العدد الضخم 10% من مجموع السكان البالغ عددهم 40 مليون شخص. هناك أدلة كثيرة تشير إلى تورط الحكومة السابقة المدعومة أمريكيا في الترويج للمخدرات والتلاعب بهذا الملف؛ منها: أنها لم تتخذ قرارا صارما في هذا الإطار، كما أن المخدرات كانت في متناول الجميع في فترة حكمها في أماكن عامة منها العاصمة الأفغانية كابل حيث الدوائر الحكومية ومقار السفارات الأجنبية، كما أن الحرب المعلنة على المخدرات كانت مجرد وسيلة لكسب وجلب مزيد من الدولارات، وكانت تذهب معظم تلك الدولارات إلى جيوب كبار المسؤولين في حكومة الاحتلال.
واستهدف الاحتلال الأمريكي الشباب الأفغاني بهذا السلاح الفتاك حيث مهد الطريق أمام تجار المخدرات دون أية رقابة تُذكر ودون إنزال أدنى عقاب بالمتورطين في هذا الأمر. أما نعرات مكافحة المخدرات التي صاح بها الاحتلال والحكومة الموالية له كانت مجرد شعارات وحبر على ورق، لا يوجد لها أي أثر على الساحة الأفغانية.
وكان ميراث الاحتلال وبصمته التي وضعها في أفغانستان هي 3.5 ملايين مدمن، نحو نصفهم من النساء! وهم الذن صموا آذاننا ليلا ونهارا بالدفاع عن حقوقهن وإعادة كرامتهن!
إضافة إلى ذلك، كانت صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السابقة تكتظ بالجنود والأمنيين الذين أدمنوا أنواعا من المخدرات، واستغلتهم الإدارة العملية ودفعت بهم إلى ساحات الحرب، وأوقعتهم في مستنقع المعارك الدامية خلال عشرين عاما لأجل بقائها وحماية دوائرها في مختلف مناطق أفغانستان من نيران المجاهدين.
وفي المقابل، شمّرت حكومة الإمارة الإسلامية عن ساعد الجد لمكافحة المخدرات، وعمدت إلى احتواء هذه الأزمة بشتى الوسائل، وهرولت إلى معالجتها من خلال عمل دؤوب ونزاهة وشفافية؛ فأنشأت المراكز لمعالجة المدمنين وإعادة تأهيلهم ودمجمهم في المجتمع، كما حوّلت الجسر المحروق -العَلَم الأبرز لبيع وتعاطي المخدرات في كابل- “بول سوخته” إلى منتزه ومعرض للكتب يرتاده عشرات الأفغان يوميا، بعدما كان محطة الموت الأخيرة لآلاف الشباب الأفغان.
ورغم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها أفغانستان بعد هروب الأمريكان، إلا أن الحكومة الأفغانية تعهدت بالقضاء على المخدرات، وأصدر زعيم الإمارة الإسلامية قرارا يحظر تعاطي جميع أنواع المخدرات وزرعها وبيعها وتهريبها. واستطاعت الإمارة خلال سنتين فقط أن تطهر معظم الأراضي الأفغانية منها، كما أنها تمكنت من معالجة شريحة كبيرة من المدمنين تقدر بعشرات الآلاف -بفضل الله-. إلى جانب ذلك عملت على تأمين بيئات علاجية لمساعدة المدمنين للإقلاع عن الإدمان.
وقبل أيام أكدت الحكومة الأفغانية عبر مسؤولين في وزارة الداخلية أن العالم لا يقدم دعما كافيا ولازما وجديا لعملية مكافحة المخدرات في أفغانستان، ما يكشف زيف الادعاء الغربي بشأن القضاء على المخدرات في أفغانستان، فالعالم الذي حارب أفغانستان للقضاء على أوكار المخدرات فيها لا يدعم عملية مكافحة المخدرات التي تواصلها الحكومة الحالية التي أدت إلى تطهير نحو 99% من أراضي أفغانستان من المخدرات حسب إحصاءات أممية وغيرها.