
العدوان على غزة لعبة الصهاينة الأخيرة لإنقاذ طاغية دمشق
لو ألقينا نظرة إلى تاريخ احتلال القدس وكيفية تحريرها على يد بطل الحروب الصليبية، السلطان العادل الورع “صلاح الدين الأيوبي” وكذلك الجهود والمساعي التي بذلها الحكام العادلون من قبله لتحرير الأراضي المحتلة من مخالب الصليبين، نصل إلى هذه الحقيقة أن “صلاح الدين” وكذلك أستاذه “نور الدين” وغيره من الأمراء المهتمين بقضية القدس والصليبين، كانوا قد جعلوا إطاحة الأنظمة الفاسدة في الشام ومصر وتوحيد هذين البلدين الكريمين، من أهم نشاطاتهم لمواجهة المد الصليبي وكذلك تحرير القدس الشريف.
الصهاينة والصليبيون الجدد أدركوا جيدا أن بقائهم في القدس والأراضي الفلسطينية تضمنه دويلات منهكة وأنظمة فاسدة، وحكام مستبدون لشعوبهم المسلمة، ومستسلمون لأوامر سادتهم في واشنطن وموسكو، في مجاورتهم.
فما أشبه أوضاع البلاد المجاورة لإسرائيل في عصرنا بالدويلات الضعيفة والأمراء الفاسدين المستبدين في أرض الشام في عهد سيطرة الصليبين على سواحل الشام، وخاصة على بيت المقدس ودولة الفاطميين المعادية للدين في مصر التي كانت تعادي هذه الدولة الإسلامية، ولم تكن يوما في مواجهة مع الصليبين الذين من جانبهم احتلوا القدس الشريف.
فدولة ضعيفة في لبنان وشعب مختلف طائفيا ودينيا ونظام مستبد في سوريا على رأسه طاغية لا يوجد له مثيل بين الطواغيت، ودولة عميلة في الأردن، ودولتان مختلفتان في القطاع والضفة من الأراضي الفلسطينية، ومصر السابقة أيضا كان يحكمها نظام عميل وحاكم مستبد كل همّه خدمة الصهاينة في إسرائيل، وكان في حصاره على غزة أثار كراهية مليار ونصف مليار مسلم، وجرّ لعنهم وسبهم إلى نفسه.
لا شك أن القدس وكذلك فلسطين هي أهم القضايا في العالم الإسلامي والعالم العربي، اهتم بها العلماء والمفكرون والمتحمسون من الحكام والأمراء في العالم الإسلامي ممن تبقى في وجودهم ذرة غيرة دينية أو عربية. ويعلم الشعوب المجاورة وعلى رأسها الحركات الدينية المدافعة عن القدس، أن بوجود نظام فاسد ومستبد في القاهرة، وطاغية آخر في عاصمة الأمويين، ونظام عميل في الأردن، وسلطة ضعيفة في لبنان، وكذلك سلطتان ضعيفتان في فلسطين تجاهد واحدة وتقوم أخرى بالعمالة لصالح العدو الصهيوني، لا يبقى تحرير القدس حلما في الأذهان فقط، بل يبقى الشعب الفلسطيني محروما من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مؤلم جدا لقلوب الشعوب المسلمة وخاصة لقلوب الجيل الشاب الواعي المؤمن الجديد أن تكون القبلة الأولى للأمة الإسلامية يسيطر عليها أجبن أقوام العالم.
فطبيعي أن يعود التاريخ وتعود مرة أخرى تجربة بطل الحطين في الإطاحة بالأنظمة الفاسدة الواقعة في جوار إسرائيل. فنرى أن الشعب المصري الغاضب يزيلون طاغيتهم. وما إن تحررت مصر وظهرت في الساحة السياسية حرة فأطار نوم الصهاينة وكدر أحلامهم، حتى هتف الشعب السوري في درعا ودمشق التي تبعد عن معقل الصهاينة مائة كم وفي حمص وحماة وغيرها من مدن سوريا ضد طاغية آخر صنعه الغرب لحماية إسرائيل والصهاينة.
من الغريب أن المعارضة السورية حققت إنجازات واسعة في الصعيد السياسي وكذلك تقدمات في المعارك واعترف بها كل من مجلس التعاون والجامعة العربية والدول الأوروبية لكن مع ذلك نرى الأمريكيين مع إدعائهم للحرية والحقوق لحد الآن لم يتخلوا بالكامل عن دعمهم النظام السوري ولم يعترفوا بالمعارضة كقوة شرعية في تصريح واضح. لأنهم يدركون جيدا أن البديل للنظام الراهن هو الشعب المؤمن الواعي والذي أوقع خسائر للجيش الإسرائيلي في حرب السبعينات وتصدى لعدوان الصهاينة بكل شجاعة وقوة ولم يسمحوا أن يحتل الصهاينة شبرا من أراضيهم. لكن بتدخل سافر لضباط عملاء خونة في الجيش السوري وفي معاهدة سرية تامة تضمن الحكم لهؤلاء الضباط الخونة من البعث وعلى رأسهم الأسد الأب أعطيت هضبات من الجولان للصهاينة.
ولم يكتف الخونة بإعطاء الجولان وبيعها لهم بل قدم الأسد وأصدقائه بقمع كافة الأصوات المعارضة في الشعب خير هدية لأسيادهم في إسرائيل وواشنطن.
فمن الطبيعي أن يقلق نتنياهو لسقوط النظام السوري ويعلن مرة ويبطن أخرى:
إن بلاده تواجه تحدياً جديداً في سوريا للقوى الجهادية وهي الأكثر عداء ل”إسرائيل”، فكان لابد من إعادة اللعبة في هذه الحلبة مع الكيان الصهيوني المؤيد الأكيد لإبقاء النظام الأسدي سابقاً ولاحقاً ولابد من الثبات على المحاولة لإنقاذ جزار سورية بالاتفاق معه في هذه الأيام بالذات لخبطة أوراق الثورة السورية ومنحه ولو فرصة أخيرة لإطالة عمر نظامه الدموي عساه بالتعاون معها تنقلب المعادلة لصالحه وتستطيع تأمين حدودها على الجولان حيث إن تسعين بالمائة من القرى والبلدات المحاذية لها قد أصبحت تحت سيطرة الجيش الحر، فقبل أسبوع تدخلت المدفعية الصهيونية سريعا لقصف قوات من الجيش الحر كانت تحاصر قوات للأسد وتتفاوض معها على الاستسلام بهدف فك الحصار عنها.
إسرائيل تهجم على غزة في هذا الوقت وتحاصرها والهدف واضح وهو تخفيف الضغط على النظام السوري الذي يدعي الممانعة والمقاومة. وصرف الأنظار العالمية من الثورة السورية ليستمر النظام هو زبانيته في ارتكاب المزيد من المجازر ولتصرف الرأي العام العالمي عن قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصبحت قضيته ساخنة بعد الربيع العربي الذي أتى بالشعوب المسلمة إلى الحكم.
لكن السؤال الذي يبقى وراء علامة الاستفهام؟ هل تجدي اللعبة الجديدة شيئا وهل المحاولة الإسرائيلية لإنقاذ ضابط أمن حدودها ينجح أم ماذا؟ وهل ينسحب الشعب السوري من مطالبه ضد طاغية دمشق ؟ .
الإجابة نجدها في كلمة أمير القطر حيث قال ” الوضع قد تغير بعد الربيع العربي” نعم الوضع تغير. فالعدو الذي لم ينل شيئا من هجومه على غزة قبل الربيع العربي وحينما كانت محاصرة من الطرف المصري لن ينال بإذن الله تعالى بعد تغير النظام المعادي لهم في القاهرة. لاشك أن إسرائيل لها جيش مدجج بالسلاح لكنها تعرف أكثر من كل شخص بسالة المجاهدين المؤمنين وشجاعتهم وإن كانوا غير عارفين بحقائق من عالم الغيب بأن النصر والغلبة وكذلك الفشل والهزيمة ليسا في الطاقة والقوة، بل بيد الله العلي القهار، وهو الذي يمد عباده المؤمنين الصالحين إن تجنبوا المعاصي والذنوب من الغيب بجنود لم يروها وكلمة الله هي العليا.
يا ترى لو ترجم أحد لحاخامات اليهود هذه الآية من سورة الحشر وهي تصف جلاء أسلافهم وكانوا في قرى محصنة وقلاع منيعة في الجزيرة العربية “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ”.