
العلاقات بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى؛ آفاق مشرقة ومستقبل واعد (الحلقة 1)
زين الدين البلوشي
لم يظن أحد أن إمارة أفغانستان الإسلامية، في بداية سيطرتها على أفغانستان، ستتقدم في العلاقات الثنائية والمتعددة مع دول العالم، لا سيما وأن وسائل الإعلام، منذ تأسيس الإمارة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي، كانت تنشط ضدها وضد سياساتها؛ سعيًا منها لتدمير الوجه الحقيقي للإمارة الإسلامية، وكانت معظم الدعايات تتركز على أن رجال الإمارة ليسوا برجال سياسة ودبلوماسية، وليس لديهم أي خبرة في هذا المجال، وأنهم فقط أصحاب الأسلحة وأهل الخراب والدمار، ولكن كما قيل: (لا يختفي القمر خلف السحاب)؛ فقد عادت الإمارة الإسلامية -بعد نضال طويل وجهاد عظيم- لتُثبت للعالم بأنها تملك فكراً وعقيدة وسياسة وحنكة، وأنها تتحرك مع كل الوسائل الموجودة لديها، وأنها ترجح السلم على الحرب والدبلوماسية على التصادم، شریطة أن ينبني كل شيء على الاحترام المتبادل والاعتراف بحق السيادة والاستقلال.
وكان يظن كثير من المحللين المحلّيين والدوليين أن أفغانستان، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ومع ظهور محاور جيوسياسية جديدة، ستعود مرة أخرى دولة هامشية في المواجهات الجيوسياسية، وستبقى منعزلة عن العالم، لكن -علی خلاف كل التصورات- أقامت الإمارة الإسلامية، منذ أول يوم عادت فيه إلى الحكم، علاقات ثنائية ومتعددة مع دول العالم، ولم تترك أفغانستان في عزلة سياسية واجتماعية واقتصادية، بل مضت قُدُمًا في هذا المجال واستفادت من جميع قدراتها على إعادة الأهمية الجيوسياسية لأفغانستان، وها هي اليوم لها علاقات مع كثير من الدول المؤثرة في العالم والمنطقة.
ومما اعتمد المعارضون عليه بعد انسحاب الولايات المتحدة هو وجود توتر في العلاقات بين دول آسيا الوسطى والإمارة الإسلامية، وكانوا يظنون أنه ستحدث توترات ونزاعات في العلاقات الثنائية، وعلى هذا الحساب؛ بدأوا، فور سيطرة الإمارة الإسلامية على البلاد، بدعايات كاذبة ضدها وتشبّثوا بكل الوسائل الممكنة لديهم، ليزيدوا -بزعمهم- هذا التوتر، وليشعلوا النار أكثر فأكثر، ولكن فاجأتهم الإمارة الإسلامية كما فاجأت العالم بأكمله، باتخاذ سياسات متوازنة سلمية قائمة على التعاون والتفاعل، وجعلت الجماعة المعارضة فاشلة في مهامها، وذهبت بجهودها ومخططاتها أدراج الرياح.
ومما يؤيد هذا الأمر هو أنه فيما مضى وفي الحكم الأول للإمارة الإسلامية وحين كان المعارضون أنشأوا تحالفًا باسم “حلف الشمال” ضد الإمارة الإسلامية؛ وقفت هذه الدول، خاصة أوزبكستان وطاجيكستان إلى جانبهم وتدعمهم سياسيًا وعسكريًا ولوجيستيًا، فالمعارضون بعد عشرين عامًا ظلوا يسيرون في فكرتهم القديمة، وما حسبوا حساب التغيرات السياسية الحادثة في العالم والمنطقة.
والحقيقة أن الإمارة الإسلامية في السنوات الثلاثة الأخيرة، لم تقم بإحباط أعمال المعارضين فحسب، بل غيرّت مجرى السياسة الإقليمية والعالمية وجاءت بتغيّر جذري في اتخاذ السياسات لدى دول المنطقة والعالم، وألزمتهم باتخاذ سياسات جديدة تجاه الأحداث الإقليمية والعالمية، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الخبرة في السياسية والحنكة في الدبلوماسية، وأن الإمارة الإسلامية تبحث عن الأمن والاستقرار في المنطقة وأن سياستها متوازنة مبنية على أساس المصالح العليا الوطنية وأنها لا تنطلق نحو الأهداف عشوائيًا.
وعلى هذا ومنذ استعادة الحكم، ركزت الإمارة الإسلامية على هذا الجانب وأبدت دبلوماسية قيمة في أطرها المحددة وجعلت الدول المجاورة، وخاصة دول آسيا الوسطى، على رأس عنايتها ودخلت معها في تفاعل شامل مبني على تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، حيث بلغت مستوى العلاقات الثنائية بين أفغانستان وهذه الدول إلى مستوى عال في شتى المجالات، وخاصة في مجال الاقتصاد، والذي هو أبرز جوانب تعاون الدول والشعوب.
ونظرًا إلى أن أفغانستان تمثّل نقطة اتّصال إقليمية رئيسة بفضل موقعها الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين جنوب ووسط آسيا، ما يجعلها مركزاً محورياً للمصالح الإقليمية والدولية لشتى الدول بما فيها الدول الواقعة في آسيا الوسطى؛ فقد بدأت الإمارة الإسلامية بالتعامل السياسي والإيجابي مع هذه الدول، وخاضت معها في تعاون اقتصادي شامل، وفتحت الأبواب على هذه الدول لتوسيع العلاقات السياسية والاقتصادية، ما جعل أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وقيرغيرستان تنتهز الفرص المتاحة وتقوم بإقامة علاقات ودية مبنيّة على الاحترام المتبادل، وطاجيكستان التي تخلّفت عن هذا الركب أدركت هذا الأمر المهم حسب المعطيات الجديدة، وتريد أن تسهم في الفرص المتاحة لدى أفغانستان وتستفيد من الفرص التي وفّرتها الإمارة الإسلامية على ربوع الأفغان.
في الحلقات الآتية سندلي بتفاصيل علاقات الإمارة الإسلامية مع كل واحدة من هذه الدول بشكل خاص.