الغد المشرق
عرفان بلخي
سبحان مغير الأحوال عندما سقطت كابول في نوفمبر عام 2001 مع الهجوم الأمريكي وحلف الناتو وانسحبت الامارة الاسلامية بين الوديان العميقة والكهوف التي تخترق جبال البلاد الشامخة في انتظار النهوض مجددا كانت ايام الشدة والعسرة أيام المطاردة والمداهمات أيام الاعتقالات والسجون أيام القصف والنسف والحرق والإبادة ومقتل وتهجير مئات الآف من العوائل المسالمة وأتت عشرات الالاف من جيوش الكفر وأعوانهم عن أقصى الأرض مسافة ستة الاف كيلومتر مدججة بأحدث الاسلحة والعتاد لمحاربة الارهاب بزعمهم ففعلوا الافاعيل وارتكب الأعداء المتبجحون المتغطرسون المظالم البشعة والفجائع التي لامثيل لها في التاريخ وعلى مر الدهور والأزمان.
إِن كَان عِنْدَك يِآ زَمُآن بَقِيَّة ** مِمَّآ يهُآن بِهَآ الْكِرَام فَهَآتِهَآ
خاضت امريكا وحلفائها معارك طاحنة ضد شعبنا الأعزل، وارتكبوا أبشع الجرائم واعتقلت القوات الأمريكية عشرات الالاف من الأبرياء وزجت بهم في ديجور غياهب المعتقلات كمعتقل باجرام وغوانتانامو والمعتقلات السرية الأخرى وبقوا هناك بدون محاكمة سنوات طوال، ومورست في حقهم أبشع الجرائم وصنوف التعذيب والاحتقار، كما أهلكت القوات المحتلة النسل والحرث وقامت بانتهاكات متكررة للمقدسات لكن.
وإذا العناية لاحظتك عيونها ** نَم فالمخاوف كلهن أمان
نعم في أتون هذه الحرب بلاهوادة وقف نخبة من أبناء الشعب الأبي الغيور على دينهم في وجه أعداء الله وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح , وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين , المنافحين عن عقيدة ودين وبلاد ولما رأوا أكثر من مئة واربعين الف من الكفرة والمعتدين الذين اجتمعوا لمحاربتهم فقال هؤلاء الفتية كما قال المؤمنون الأولون حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير, الله اكبر فوضوا أمرهم الى الله وانتظروا الفرج الآتي وحسنوا الظن بربهم ومولاهم الحق ورضوا بصنيع الله بهم إنهم كانوا على يقين إن مع الدمع بسمة وإن مع الخوف أمن وإن مع الفزع سكينة وإن الأيام دول والغيب مستور وإن مع العسر يسر بإذن الله.
وكلُّ شديدةٍ نزلتْ بقومٍ ** سيأتي بعدَ شدَّتِها الرخاءُ
يقولون إن قوة الإرادة هي أن تنهض من جديد بعد أن يظن الجميع أنك فشلت وتحطمت ولا يمكنك العودة كما كنت سابقا , لاشك أن شعبنا له قوة الارادة شعب مقاوم الذي قاوم أشرس أعداء الانسانية وأعتى قوة فى العالم والتي تملك بين يديها الحلف الأطلسي خلال اكثر من عقد ونصف من الزمن إنه شعب غيور على دينه وبلده إنه شعب لم يتزعزع ايمانه من خوف اوموت وهذه أرضه التي رواها بدمه الزكي مرارا ولايزال يقدم المزيد من الجماجم والدماء والأرواح والشهداء لاسترداد الحرية الى ربوعها إن اصحاب العقيدة لايخضعون امام الطغاة والجبابرة وهناك خوارق صنعتها العقيدة في الأرض وما تزال تصنعها كل يوم بجدية فائقة النظير، الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم الى يوم وتدفع بالفرد والمجتمع الى التضحية والفداء في سبيل الحياة الكبرى الكريمة التي لاتفني ولاتبيد وتقف بالفرد أمام السلطان وقوة المال والحديد والنار فاذا كلها تنهزم أمام هذه العقيدة السامية، هذه العقيدة قوة هائلة في أيدي المؤمنين الا وهي قوة استمدت منها الينبوع المتفجر الذي لاينضب ولا ينحصر ولايضعف أمام قوة الحديد والنار وتدفعه الى الموت الذي يخلق حياة الأبد والفناء الذي يمنح الخلود الدائم والتضحية التي تورث النصر والفوز المبين وهذه القوة مستمدة من الدين الذي يعلن التحرير التام للانسان في الأرض من العبودية لهئولاء الطغاة الجبابرة المعتدين.
رب ركب قد اناخوا حولنا ** يمزجون الخمر بالماء الزلال
ثم صاروا لعب الدهر بهم ** وكذا الدهر حالا بعد حال
وقد أثمر جهاد الثلة المؤمنة هذه الأيام وجلس معها المعتدون على مائدة المفاوضات مرارا وتكرارا وقد جرى أخيرا استقبال وفد الامارة الاسلامية في العاصمة الروسية موسكو في أول مباحثات دولية رفيعة المستوى لمناقشة سبل السلام وقد تبين فشل الحلول العسكرية في إنهاء المعارك الدموية، ومرة أخرى في اجتماع نادر لسياسيين أفغان كبار في روسيا طالبت وفد الامارة بوضع دستور جديد لأفغانستان ووعدت بتطبيق “نظام إسلامي شامل” لحكم البلد.الامارة الإسلامية طرحت برنامجها السياسي في موسكو أمام عدد من أكثر القادة نفوذا،الذين اقتدوا جميعهم في الصلاة وراء امام من وفد الامارة وذكرتني هذه الصلاة بطريفة صلاة أعرابي خلف الامام الذي قرأ (ألم نهلك الأولين) فتأخر الأعرابي الى الصف الثاني فقرأ الإمام (ثم نتبعهم الآخرين) فتأخر ثم قرأ الامام ( كذلك نفعل بالمجرمين) وكان اسم الاعرابي مجرم فترك الصلاة وخرج هاربا وقال والله ما المطلوب الا أنا فوجده بعض الاعراب فقال له ما لك يامجرم! فقال إن الامام أهلك الأولين والآخرين وأراد أن يهلكني في الجملة والله لا رأيته بعد اليوم.
هاهم معاندو الأمس الدابر والمعتدون الغزاة يمدون أيديهم للصلح والمسالمة ومنذ شهور يسعى المبعوث الأمريكي ليصل الى صيغة تسنح للجنود الغزاة الانسحاب من مستنقع هذه الحرب القذرة متجاهلا كل ما فعل الاحتلال من قتل ودمار وشر وشجار!.
إن حركة طالبان الاسلامية ليست ما كانت بالأمس المزعومة بالارهاب لدى الأعداء وهي اليوم قوة لايستهان بها قوة تسيطرعلى اكثر ساحة البلاد ومعترف بها دوليا اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ويود كل أحد يدها من صميم القلب وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن الله تعالى قد أراد لها أن تقوم بعد السقوط وتحكم في ظل شريعة الله.
اصبرْ قليلاً فبعدَ العسرِ تيسيرُ ** وكلُّ أمرٍ له وقتٌ وتدبيرُ
وقد آن اوان قدوم قافلة الأحرار بالرايات البيضاء الخفاقة رايات الاسلام والسلم والسلام “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم” إن مالوا إلى السلام، وأرادوا المسالمة والمصالحة، فمل إلى السلام، وأقبل منهم ذلك، وتوكل على الله فإنه كافيك وحده.