الغلاة المتطاولة على طيبة عبر التاريخ
بقلم: أسد الله
لم تکن کارثة الحرم النبوي أولى الحادثات في التاريخ الإسلامي، إلا أنّها هزّت المسلمين هزّاً عنيفاً، وذلك بعدما حدث انفجار ضخم قرب الحرم النبوي، لم يُعرف حتى اللحظة بالضبط مَن وراء الانفجار، إلا أنه ألهب عواطف المسلمين ومشاعرهم.
يعتبر الهجوم الانتحاري الذي شهدته المدينة المُنورة ـ أخيرًا ـ هينًا؛ بالمقارنة مع ما وقع في المدينة عام 63 هجريًا؛ حيث الواقعة الشهيرة في التاريخ الإسلامي، والمسماه بـ«الحرة»، وهي حادثة أُفردت لها شهادات من طرف كل من «ابن الأثير» و«السيوطي» و«الطبري» و«أبي الفداء» و«ابن طباطبا».
ففي عام 63 هجريًا، تمرد أهل المدينة المنورة ضد حكم «يزيد بن معاوية» ورفضوا مبايعته، فما كان من الأخير، إلا أن أرسل لهم جيشًا بقيادة «مسلم بن عقبة»، الذي أوصاه يزيد بن معاوية بأن يدعو أهل المدينة المنورة ثلاثة أيام بالحسنى لمبايعته من جديد، فإن رفضوا فليستبح المدينة، وينهبها ثلاثة أيام، «فكل ما فيها من مال ودابة أو سلاح أو طعام، فهو للجنود»، وفقًا لما ورد في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير.
وحدث ما أوصى به الخليفة يزيد بن معاوية؛ إذ دخل «جيش الأمويين» المدينة؛ فقتلوا الكثير من أهلها، ونهبوها، وسبوا نساءها، كما يذكر السيوطي، في «تاريخ الخلفاء».
وبعدما انتهى جيش يزيد الأموي من قتال أهل المدينة، توجه إلى مكة؛ لمحاربة «عبد الله بن الزبير»، بعد ذلك بعام، واستمر القتال بين الجيشين من شهر «المحرم» وحتى الثالث من شهر «ربيع الأول» من عام 64 هجريًا.
ووفقًا لرواية «الطبري»، قذفوا البيت الحرام بالمنجنيق؛ فاحترقت أجزاء من الكعبة وتهدمت؛ ليعيد «ابن الزبير»، فيما بعد، بناءها، وأضاف لها ستة أذرع وجعل لها بابيْن وأدخل فيها «الحجر الأسود».
وبعدها بتسع سنوات، حاصر جيش «الحجاج بن يوسف الثقفي» جنود عبد الله بن الزبير، الذي احتمى بالكعبة، فإذا بالحَجاج ينصب المجانيق، ويرمي بها البيت الحرام؛ حتى تهدّم حائطها الشمالي، وقبض على ابن الزبير فيها؛ فقتله، ومن معه هناك. ثم أعاد الأمويون بناء الكعبة فيما بعد.
وفي عام 317 هجريًا، هجم قرامطة البحرين على «مكة المكرمة» بقيادة «أبي سعيد الجنابي»، فذبحوا ـ هناك ـ جمعًا غفيرًا من المصلين والحجاج، ونهبوا أموالهم وحاجاتهم، كما يذكر المؤرخون.
وسرقوا ستار الكعبة، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، واصطحبوه معهم، بالإضافة إلى غنائمهم، إلى منطقة «الأحساء» في البحرين، كما يذكر «ابن كثير»؛ ليتبعهم «ابن محلب»، أمير مكة العبّاسي، وطالَبهم بإرجاع الحجر الأسود إلى مكانه، واستأمنهم على نفوسهم وأموالهم، لكن القرامطة رفضوا طلبه، وقتلوه مع رجاله.
وظل الحجر الأسود في حوزة القرامطة بالبحرين قرابة 22 سنة، دون أن يتمكن «الخلفاء العباسيون»، و«الخلفاء الفاطميون» في إفريقيا، من إقناعهم أو إغرائهم بالمال لإعادة الحجر الأسود إلى الكعبة، حتى سنة 339 هجريًا، حين توعدهم الخليفة المهدي العلوي الفاطمي بحرب لا هوادة فيها إن لم يردّوا الحجر الأسود إلى مكانه، ليذعن القرامطة للتهديد وسلموا أخيرًا الحجر الأسود، بعد أكثر من عقدين، وهو في حوزتهم.
فليعتبر كل من يريد أن يوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أنّهم لن ينالوا ما يريدون وأنّ الله سبحانه وتعالى سيفضحهم كما فضح أسلافهم السابقين، وأنّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المدينة حرمٌ من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يُحْدَثُ فيها حدث، من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » رواه البخاري.